أعمدة الحكمة السبعة هو أهم الكتب التي كتبها توماس إدوارد لورانس المعروف في التاريخ العربي وتاريخ المخابرات بلورانس العرب ( 16 أغسطس 1888-19 مايو 1935)، وقد اهتمت السينما الغربية به فأنتجت فيلما باسمه مثل فيه الممثل المصري عمر الشريف دور "لورانس" ، ألف كتابا آخر بعد رحلته لبيروت أسماه "القلاع الصليبية" ، تبدو حياة لورانس مثيرة للدهشة والاستغراب في تحولاتها ومسيرتها وهو من قال عنه ونستون تشرشل " ممثل الحكمة الإنجليزية " لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة إليه ". نحن أمام عقل إنجليزي تحول من باحث عن مكنون الآثار العربية وجغرافيتها وعالمها إلي رجل مخابرات لعب أدوارا مذهلة قادت في النهاية إلي هزيمة الأتراك وانتصار بريطانيا وسقوط الدول العربية واحدة تلو الأخرى ثم المساهمة في إنجاز المشروع الصهيوني. عبقرية لورانس في أنه تعلم العربية وعاش مع القبائل العربية وانتدب نفسه كصديق لأبناء الشريف حسين ومن ثم الخوض في نفسية القبائل العربية والتعايش معها بعمق ومعرفة تقاليدها لتحقيق أهداف استخبارية في سرية ودأب و لم يتمكن أحد من اكتشاف مراميه وأهدافه الحقيقية إلا بعد نهاية الحرب العالمية الأولي . الخبرة البريطانية تقدم للولايات المتحدةالأمريكية نموذج لورانس العرب ليكون القدوة لفريق عملها وقواتها في المناطق الملتهبة التي يخوضون فيها دون أن يلوح أمل في الأفق لتحقيق أي إنجاز حقيقي علي الأرض يرضي به أهل المناطق التي يتحدث الأميركيون أنهم جاءوا إليها لتحقيق أهداف في مصلحتهم كما فعل لورانس نفسه في الحرب العالمية الأولي . واليوم فإن قيادة العمليات الخاصة بالولاياتالمتحدةالأمريكية تنجز مشروعا اسمه " لورانس العرب " وذلك للاقتداء به واتخاذه نموذجا لتتبع سيرته ومسيرته، هنا نكتشف ما يتحدث عنه بعض العسكريين الأمريكيين عن الفعل غير المباشر في الحملات التي تقودها أميركا علي بلدان عربية وإسلامية عديدة في العراق والصومال وأفغانستان وباكستان وفي مناطق جنوب الصحراء وغيرها. يقول مثلا الأدميرال " إيرك ويلسون " في واشنطن أن هناك ما أطلق عليه "الفعل المباشر" وهو ما تقتضيه فعاليات الحرب في ميدان القتال وهناك " الفعل غير المباشر " الذي يعني اتخاذ خطوات علي المدي البعيد تتعرف فيها القوات الخاصة الأمريكية في العراق وأفغانستان علي السكان المحليين ويختارون مواقع لحفر الآبار وبناء المدارس وتدريب جيش البلاد، ويؤكد الأدميرال أن هذه الخدمات كانت أكثر حسما وفاعلية في كسب الحروب. نموذج لورانس العرب حين يستلهمه التفكير الأمريكي الاستراتيجي يشير إلي أن استخدام مطرقة القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأداة هي الأهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية قد لا تحقق تلك الأهداف بل وربما تؤدي إلي المزيد من التورط في وحل مجتمعات لا يعرف عنها الأمريكان الكثير سوي معلومات استشراقية ذات طابع خيالي لا تعبر عن الواقع. ويشير إلي أهمية نموذج "لورانس العرب" وحاجة التفكير الأمريكي إليه " روي غودسون " أحد خبراء مركز المعلومات الإستراتيجية القومية في أميركا وكان أستاذا في جامعة جورج تاون سابقا حيث يقول إن الولاياتالمتحدةالأمريكية في حاجة ماسة إلي مثيل معاصر للورانس العرب"، وذلك لحماية مصالحها العليا – علي حد تعبيره . استلهام النماذج والبحث عنها يكون في لحظات الخطر والحرج معا والتي تواجهها الأمم والجماعات وبالطبع القوي الاستعمارية الإمبراطورية كحالة الولاياتالمتحدةالأمريكية ، كما فعلت من قبل بريطانيا ، ومن ثم استلهام نموذج لورانس يشير إلي أن الاستراتيجيات الأمريكية التي اعتمدها خبراؤها العسكريون والإستراتيجيون تواجه أزمة وأنها غير قادرة علي إنجاز الأهداف، كما أن النموذج الذي يعبر عن التغلغل والاختراق والاعتماد علي معرفة العقول والنفوس وكسب معاركهما هو ذلك الذي تبحث عنه أمريكا اليوم للتعامل مع معضلاتها مع العالم الإسلامي . لا يبدو أن أمريكا قادرة علي بناء نموذج حقيقي لكسب العقول والأفكار مع العالم الإسلامي يقوم كما أشار "أوباما" في خطابه بالقاهرة علي احترام المصالح بين العالم الإسلامي وأميركا، ذلك أنها قوة إمبراطورية ذات طابع امبريالي تسعي لاختراق عالم العرب والمسلمين لإنجاز أهدافها ومصالحها والخروج من الورطة التي قادها إليها غرورها وجهلها بذلك العالم . أحلام ترواد صناع الإستراتيجية الأمريكية في إصلاح الأخطاء والاستراتيجيات، بيد أن ما أفسده الدهر لا يمكن للعطار أن يصلحه، وهنا فإن السبيل الوحيد أمام أمريكا لاستعادة نموذج لورانس يفترض أن تغادر القوات الأميركية بلدان العالم العربي والإسلامي وتدع تلك البلدان تقرر ما تريد هي لا ما تريده أميركا.