يؤلمني جداً أن أجد عدد من أصدقائي عبر فيس بوك وتويتر وبسبب تأييدهم لمحمد مرسي ورفضهم لمظاهرات التحرير المناوءة له يرددون كالببغاوات مقولة: "أن أهل مصر الطبل يجمعهم و العصا تفرقهم!"، والكارثة لا تكمن بهذه المقولة فقط، بل أن جميعهم ينسبون هذه المقولة لصحابي جليل هو عمرو بن العاص رضي الله عنه ! بداية أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وأحاديث الصحابة عليهم رضوان الله، هي أحاديث تخضع لعلم الأحاديث وهو منهج علمي هام لتحديد صحة الأحاديث، وبالرجوع لكتب السيرة التي تؤرخ وتوثق كل أحاديث الرسول وصحابته لم يجد أحد دليل لهذا الحديث لعمرو بن العاص.. عمرو بن العاص الذي كان يحب مصر وأهلها حباً شديداً وأهلها أحبوه حباً جماً حتى أن عمرو بن العاص طلب من معاوية رضي الله عنه أن يوليه على مصر، وقد ولاه عليها حتى توفي بها . أستغرب كيف لعقل بشري واع ومتعلم أن ينسب لصحابي جليل هذا الحديث؟ وكيف يتوقع بالمنطق أن صحابي يفترض أنه تطبع بأخلاق الرسول الحسنة أن يقول هذه المقولة التي من العيب أن تصدر عن لسان شخص عادي فما بالكم لو كان رسولاً أو صحابياً؟ ثم لنفترض جدلاً أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال عن أهل مصر هذه المقولة، هل نهتم بها ونبني عليها استنتجات ومواقف ونغض الطرف على أن الله عز وجل ذكر مصر صراحة بكتبه السماوية كافة التوراة والإنجيل والقرآن الكريم والتي تعتبر مكانتها أسمى من مكانة أي حديث رواه انسان سواء كان رسول أو صحابي؟!، كيف تذكرون هذا الحديث فقط وتنسون أن الله ذكر بالقرآن وبسورة يوسف "ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ "، وبالإنجيل بسفر إشعياء ذُكر: "مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ"، فهل هذا الحديث أهم أم قول الرسول عليه الصلاة والسلام الذي قال في صحيح مسلم والبخاري: "أذا فتح الله عليكم بعدى مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض". أيعقل أن تكون نظرة الصحابة لمصر بهذه السطحية والتفاهة؟! هذه مصر يا سادة، مصر التي ولد فيها أنبياء وصالحون بداية من نبيا الله إدريس وموسي، وهارون ويوشع بن نون فتى موسى والخضر عليهم السلام، ومصر التي مكث فيها فترة من الزمن خليل الله إبراهيم ويوسف عليه السلام ويعقوب والأسباط عليهم السلام، ونبى الله عيسى وأمه السيدة مريم العذراء. يا سادة، مصر عظيمة بعظمة شعبها حتى وإن جار الزمن عليهم بفعل تكالب الساسة والظروف الإقتصادية والمعيشية عليهم، وإن جار الزمن على مصر وأهلها لن ينسى التاريخ عظمتهم وطيبتهم وشهامتهم، ولتعرفوا عراقة مصر إعرفوا تاريخ تأسيس أول جامعة مصرية وقارنوها بتاريخ أول جامعة تأسست ببلادكم ستجدون الفرق عقود من الزمن، قارنوا تاريخ تأسيس أول صحيفة بمصر بتاريخ أول صحيفة ببلادكم ستجدون أنها أسست بالقرن الثامن عشر وأول صحيفة ببلادكم أسست بالقرن التاسع عشر وربما بمنتصفه، اقرأوا أكثر عن تاريخ مصر الإعلام والثقافة والفن والأدب والشعر والرياضة والعلم، يا مؤيدي مرسي المتأسلمين العنصريين اعرفوا أكثر عن عظمة الأقباط الذين أوصانا الرسول بهم بحديثه الشريف "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة وصهراً"، أعرفوا واقرأوا أكثر عن مصر الأزهر الشريف، مصر الإسلام السمح والمعتدل، عندها فقط ستعرفوا لماذا يرفض اليوم الشعب المصري والعربي الإخوان والمتأسلمين !
يا أيها الكبار.. عقلكم وجد ليعمل بمنطق فلا تعطلون إعماله، لا تعمموا أي تصرف شائن يقوم به قلة من أي بلد وشعب على شعب وبلد بأكلمه، وإلا كما نعمم سلوك بعض المصريين والفراعنة على الشعب المصري كله فعلينا أن نصف كل أهل فلسطين والأردن بأنهم لوطيون نسبة لقوم لوط الذين سكنوا منطقة البحر الميت ! وعلينا أن نقول أن كل الفلسطينيين غدارين لأن أخوة يوسف غدروا به وألقوه بالبئر في مدينة نابلس الفلسطينية !
مصر.. عظمتك أكبر من مرسي ومعارضيه وإخوانه بل ومؤيديه.. لا تقلقي.. فالله حاميكي..