مشكلة الصحافة الخاصة أو الإعلام الخاص تكون أكثر خطورة في المجتمعات التي لا تعرف استقرارا تشريعيا ملائما يتأسس على خبرة طويلة في ملاحقة التطورات الحادثة في هذا المجال ، ويحقق التوازن بين حرية صحافية حقيقية وبين ضوابط قانونية تحمي كل أطراف دائرته : الصحفي والمؤسسة والمجتمع والدولة والمواطن العادي أيضا، وفي مصر ومعظم البلاد العربية لا توجد منظومة قانونية كافية لإدارة الشأن الإعلامي ، لأن هذا الشأن في الغالب الأعم يتم التعامل معه بمعايير سياسية وأمنية وليس بمعايير قانونية أو قضائية ، والدول في العالم الثالث تتأسس على دعامتين : الأمن والإعلام ، في ظل تراجع المؤسسات والشفافية والحريات العامة وهشاشة المجتمع المدني ، وبالتالي يتم تسيير ما يتعلق بالشأن الإعلامي بالمواءمة السياسية ، وأحيانا العلاقات الشخصية الخاصة التي تجمع بعض الإعلاميين برجال السلطة ، ولغة المصالح هي وحدها التي تحكم هذا المجال ، ليس مصالح الوطن أو حتى الدولة ، وإنما أحيانا بل غالبا مصالح شخصية ، ومن الممكن أن يحقق بعض الصحفيين أو الإعلاميين مجدا من خلال معارك تصفية حسابات بين أطراف في السلطة ذاتها ، غير أن هذا لا يمثل وجه الخطورة الوحيد ، بل هناك الاختراقات التي تتم للحياة الصحفية والإعلامية من خلال قوى أخرى أجنبية ، بعضها يمكن القول بأنه دول صديقة وبعضها دول لا يمكن أن نقول أنها صديقة على المستوى الوطني ، فكثير من دول العسكرتارية العربية مثل العراق وسوريا وليبيا كانت لهم علاقات مباشرة مع الصحافة المصرية وبعض الصحفيين كانوا مدللين للغاية ، وبعضهم كان يتقاضى مبالغ طائلة لترويج سياسات بعض هذه الدول تصل أحيانا إلى مستويات متدنية للغاية مثل التغزل في نبوغ أبناء رؤسائهم وشطارة بناتهم ونحو ذلك ، وبعض عمليات شراء الذمم كانت فجة للغاية على النحو الذي حدث مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما أهدى عددا من رؤساء تحرير الصحف القومية والمعارضة والخاصة سيارات مرسيدس أحدث موديل بعد زيارتهم بغداد مرافقين لمبارك ، ولما فاحت الرائحة تدخلت رئاسة الجمهورية وأمرت بنقل ملكية هذه السيارات للمؤسسات الصحفية وليس للأشخاص ، وبعض الدول الخليجية مارست الدور ذاته مع الصحافة والإعلام المصري ، سواء في مرحلة الابتزاز في السبعينات والثمانينات ، وهي المرحلة التي عرفت ظاهرة مجلات العدد الواحد أو صحف العدد الواحد ، التي تخرج محملة بحملة صحفية مركزة على شخصية خليجية رفيعة ، فيتم على الفور إجراء الاتصالات مع صاحب الصحيفة الذي يغلق أبوابها في اليوم الثاني ، لأنه حقق من وراء تسويات العدد الأول والأخير ما لا يمكن أن يحققه من إصدارها خمس سنوات ، أو في المرحلة اللاحقة المتسمة بالعلاقات الخاصة مع صحفيين وكتاب ذوي نفوذ ودلال ، وأما الاختراقات الأخرى ، فأكثرها حساسية هي تلك التي تتصل بالجهات الأمريكية ، لأن الاختراق هنا ليس متعلقا بتلميع شخص أو نظام حكم ، على الطريقة العربية البسيطة ، وإنما متعلق بالتعامل مع سياسات دولة عظمى ترتبط الكثير من مصالحنا السياسية والاقتصادية والأمنية بها ، وهي دولة لا تتسم سلوكياتها معنا بالعدل أو الإيجابية ، وقضية فلسطين تبقى الشاهد الذي لا يحتاج إلى دليل ، والإدارة الأمريكية تخصص مبالغ سنوية كبيرة لتسريبها إلى مؤسسات إعلامية وصحفية عربية ، ومنها مصرية ، تحت ستار أو شعار دعم وتطوير المهارات والمؤسسات الصحفية ، وهناك جهات إعلامية رسمية مصرية حصلت على جزء من هذه "الكعكة" الأمريكية ، ولكن الأسوأ أن هناك صحفا مصرية خاصة أيضا حصلت على جزء من الكعكعة الأمريكية المشبوهة ، وهناك صحيفتان مصريتان يوميتان خاصتان ، يملكهما رجال أعمال ، حصلت كل منهما على عدة ملايين من الدولارات لدعم وتطوير أنشطتها الصحفية ، ولما كانت بدهيات الأمور تقول أن أمريكا ليست هيئة خيرية ، وأن تلك الملايين من الدولارات التي تعطيها لصحيفة ليست لوجه الله والوطن ، فمن حقنا أن نضع مثل هذه الأموال في سياق الاختراق الأمريكي للإعلام المصري . [email protected]