نستكمل حديث أمس عن عصاي ومآربها الأخرى التي سردت لكم أمس الكثير من مآربها التي لم أكن أتوقع أن تكون لها حتى عايشتها واقعًا ملموسًا، واستطعت ترجمة جملة سيدنا موسى، عليه السلام، وهو يتلذذ في خطاب ربه الكريم عن العصا "ولي فيها مآرب أخرى". ولن أحدثكم عن عصا العم "محمد الكبير" الذي كان إذا رآنا ونحن أطفال صغار في الشارع يجري وراءنا جريا حثيثا، إن لم نختبئ عن وجهه، وطاردنا بها، الشارع بطوله وعرضه و الشوارع الموصلة إليه أيضًا، وويل أمه من لجقه بعد "مارثون" الجري، فسيكون مصيره تهشيم عظامه بعصاه التي كانت أكثر منه طولًا، وكان رحمه الله إن لم يدرك أحدنا جريًا سريعًا أفلت العصا بين ساقي الطفل، فيتعثر بها؛ فيخر أرضا، ثم يدركه سريعًا؛ ليفش غله فيه، ودونما نذب اقترفه، إلا أنه تواجد في الشارع فقط.. ولن أحدثكم عن عصي الأستاذة القدماء الذين كانت العصا إحدى اللوازم المهمة في تربيتهم لنا وكانت "الفلقة" تقدم على السبورة وعلبة الطباشير ومعمل العلوم ومصلى المدرسة أيضًا، والحديث عن هذا يطول.. دعونا نتجاوز هذا كله ونعرج على موقف العصا السياسية، فهناك موقفان سياسيان ساخران عجيبان مضحكان كانا لهما في القديم والحديث من أمرهما عجب، ولعلهما كان الأشهر في تاريخ وحكايات العصا سياسيًا وأدبيًا.. فقد أثارت العصا مشكلات شبه سياسية أو دبلوماسية قديمًا وحديثًا، وكانت عصا المتنبي الشاعر الكبير هي العامل المشترك، أما في القديم قعصا المتنبي مع كافور الإخشيدي حاكم مصر، والتي أصبحت حكمته الشعرية في العصا مثلا تتناقله الدنيا من بعده" لا تشتر العبد إلا والعصا معه"، وإن كان المتنبي قصد به كافورًا؛ لحاجة في نفسه إلا أن بيته الشعري أصبح مصدر قلق لكل من يعاند شاعرًا كبيرًا مثل المتنبي، يتحكم في نواصي الكلم، وتأتيه الحكمة طائعة منقادة له، وجعل للشاعر تأثيرًا في الأحداث المعاصرة التي يعيشها ويمكن أن يؤثر فيها، وربما هذا الذي جعل الإخشيدي أن صالحه كافور ورأى أن الحكمة ألا يكون على عداء من رجل تنال أبياته منه ومن غيره ما لم تنله السيوف والرماح.. أما الموقف الحديث فيقال -والعهدة على الراوي- أن حكمة المتنبي السابقة أقلقت الجالس على كرسي الحكم في البيت الأبيض (أوباما)، واعتبر أن المتنبي قصده هو ولم يقصد كافورا الإخشيدي في مصر، ونظرًا لهذا القلق فقد أعلن البيت الأبيض حظرًا عامًا على دخول المتنبي هذا البيت، وبالأحرى دخول بيت المتنبي الشعري عن العصا "البيت الأبيض"، نظرًا لحساسية الأمر والتشابه بين "أوباما"، وكافور و"الحدق يفهم" وكلكم -ما شاء الله - أذكياء"تفهمونها وهي طايرة"!! ولعل الموقف الذي شد انتباهي كان موقف الوجيه الشريف المهندس المعماري الدكتور سامي عنقاوي الذي دخل علينا ذات يوم مجلس السيد الدكتور محمدعلوي المالكي في مكةالمكرمة، وفي يديه "عصاوان"- أي عصا وعصا- ولم أرفع عيني عن الرجل منذ دخوله وجلوسه حتى انتهى المجلس، ثم وجدته يتقدم للسيد المالكي يهديه عصا منهما، وعجبت فالعصا رفيعة جدًا قياسًا بعصا الشيخ المالكي التي كانت غليظة جدًا؛ تتناسب مع ثقل جسد الشيخ وزيادة وزنه، وتساءلت: كيف سيتكئ الشيخ بوزنه الثقيل على هذه العصا الرفيعة، فإذا بالشريف عنقاوي يوضح أهمية العصا للشيخ وأنها رغم نحافتها إلا أنها متنية وتتحمل، وكأنه أراد أن يبعد عن الشيخ العصا التقليدية الغليظة لتحل محلها تلك العصا "الشيك" التي تتناسب ومهديها بالطبع الرجل "الشيك" وتتناسب ومقام الشيخ نفسه. وإن أنسى فلا أنسى عصا جحا وعصا الحكيم وعصا الشعراوي، التي كان يقول عنها:" كنا نحملها في الشباب عياقة والآن نحملها ضرورة".. وعصي أناس كثيرين فاقت شهرتهم عصاي المسكينة التي واثق أني سأهجرها بعد النقاهة كما هجرتها في فترة "العياقة" ومع ذلك لبت طلبي في فترة " الحاجة" وإن طال الله في العمر وأصبحت هي "ثالثة الأثافي" في حياتي، وطلبتها فأسجدها تحت الطلب كما كانت مثالا للكرم وتأدية الواجب في السراء والضراء. أما الموقف الأغرب فكان للكاتب الأديب السعودي محمد صادق دياب -رحمه الله- الذي كان مولعًا بجمع العصي من كل بلد يزوره، وكان يكنزها في بيته ولا يحمل واحدة منها إلى الشارع.. وفي الوقت الذي سولت له نفسها أن يحملها وكانت عصا جميلة وثمينه ومطعمة من خان الخليلي بما يحمله الاسم من زينة وتحف ووو، فأول ما هبطت قدماه الشارع حدثت مشاجرة أمام عينيه، فهم أحدهم على غفلة منه بسحبها بقوة من يده، ليهوي بها على رأس خصمه؛ فينزفه دمًا، وأتت الشرطة لتسبق عصا دياب سيارة الشرطة قبل المتهمين وفقدها بعد ذلك للأبد. وأختم كلامي عن العصا بموقف مضحك كانت العصا هي العامل المشترك فيه.. فقد كان أحد أهل المغرب العربي مولعًا بجمع العصي ويخزنها في زاوية من بيته، وكان يطلق عليها مسميات فهذه عصا الواحد- أي العصا التي تكفيه لهزيمة رجل واحد- وتلك عصا الخمسة وتلك عصا العشرة وهكذا. فضاقت زوجته به ذرعًا وأرادت أن تختبر شجاعته ورجولته، فكمنت له ذات ليلة أمام منزلهم، وانتظرت عودته من سهرته في بيت قريب مجاور لهم، ولم يمض وقت طويل حتى اقترب الرجل، ففزعت في وجهه بصوت مزعج؛ فولى هاربا بعيدًا ولم يعد إلا بعد أن هدأ روعه.. ولما رجع سألته: زوجته عن سبب تأخره؟ فقال بلهجة المنتصر: لقد اعترض طريقي عشرة رجال تغلبت على خمسة منهم بعصا الخمسة التي كنت أحملها، وبقي منهم خمسة فهربت منهم، وانتظرت حتى أصبحت الطريق آمنة وها أنا أمامك.. فأطلقت امرأته ضحكة خبيثة كاشفة له سر اللعبة: "يا زوجي العزيز لم يعترضك أحد غيري"، فبهت الرجل ثم قال لها أرأيت- يا ابنة عمي- ما أسرعني في الركض؟! ******************************************* ◄◄ تحية حب: ◄الأخ الشريف خضر الشريف.. تحية حب وتقدير واحترام.. أطمئن عليك من كتاباتك وواضح أن كبسولات الدواء قد انتهت (أو كادت إن شاء الله) فقد بدأ مفعول كبسولاتك الصحفية يؤتى ثماره قوية كطلقات الرصاص حانية كصدر الأم هادئة كأمواج النيل هادرة كصوت الجماهير..سلمت دائمًا وسلمت كلماتك وقلمك.. ودمت بحب (كما تعلمنا منك). = هذا أخي المهندس حسن يوسف عمر، في رسالة تطمينية منه، وقد كانت رسائله الإميلية المعبقة بباقات الورد تأتيني على فترات قريبة أيام مرضي؛ فكانت تقع على قلبي بردًا وسلامًا.. وقلت ردا على رسالته: الحمد لله ياسيدي،فبين الكبسولات الطبية والكبسولات الصحفية علاقة مطردة فإن خفت الحاجة للأولى ظهرت الثانية قوية مجلجلة، والعكس بالعكس.. فادعو الله أن يجعلني في حاجة لكبسولاتي الصحفية لا كبسولاتي الطبية، وأذكرك بما قلته من قبل ساخرًا عنه هذه وتلك: "لا يجتمع في بيت آل الخضر كبسولتان".. دامت لي ولمحبيك وكل محب لنا محبتكم. دمتم بحب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.