عن أسامة بن زيد قال: قلت: يَا رَسُول اللَّه؛ لَمْ أَرَك تَصُومُ مِنْ شَهْر مِنْ الشُّهُور مَا تَصُوم مِنْ شَعْبَان؟ قال: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَان، وَهُوَ شَهْر تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَال إِلَى رَبّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ". [حسنه الألباني] هذا هو شعبان. وهكذا كان يحتفي به الحبيب صلى الله عليه وسلم. فهل سنغفل نحن عنه؟ فهو يعتبر من أعظم صانعي الخيام لشهر رمضان. وصانعو الخيام يقصد بهم الطليعة التي تسبق القافلة أو الركب الذي سيأتي من بعدهم بأيام؛ ليكتشفوا أفضل الأماكن، وأكثرها أمنًا، وأقربها لعيون الماء؛ لينصبوا لهم الخيام ويجهزوها لإقامتهم وراحتهم!. فهو الذي يجهز التربة لزارعي الخير في رمضان. وهو الذي يهيئ النفوس لاستقبال ضيفنا الكريم. وهو شهر المراجعة الذاتية للاستعداد النفسي والأسري. شاهدٌ على عصره: وكما هو معروف فإن قيمة أي شخص أو مكان أو أمة من الأمم أو حتى أي شهر من الشهور؛ إنما تقاس هذه القيمة والقدسية والأهمية على قدر ما شاهده من أحداث، أو ما يحمله من أسرار وأحداث تاريخية. وعندما نفتح مفكرة شعبان التاريخية، ونقلب في صفحات ملفاته؛ فإننا نجد أنها حافلة بالأحداث التاريخية الفاصلة. والتي من أبرزها فرض الجهاد والإذن بقتال المشركين. رسائل شعبانية: وسنحاول بعون الله أن نعيش لحظات إيمانية مع مفكرة شعبان؛ ونستلهم رسائله التربوية؛ فنعايش ذكريات رائعة ونربطها بواقع يحتاج إلى بصيرة لفهمه على قواعد إيمانية. معركة الباطل الإعلامية مستمرة: في رجب سنة 2 ه؛ وقعت (سرية نخلة) حيث بعث صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش وسار حتى نزل بنخلة، فمرت عير لقريش تحمل زبيبًا وأدمًا وتجارة، وفيها عمرو بن الخضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله بن المغيرة، والحكم ابن كيسان مولى بني المغيرة. فتشاور المسلمون وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم اجتمعوا على اللقاء، فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين إلى المدينة، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أو خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام، وأول أسيرين في الإسلام. وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه، وقال: (ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام) وتوقف عن التصرف في العير والأسيرين. ووجد المشركون الفرصة، (وانطلقت الدعاية المضللة على هذا النحو بشتى الأساليب الماكرة التي تروج في البيئة العربية, وتظهر محمدًا وأصحابه بمظهر المعتدي الذي يدوس مقدسات العرب, وينكر مقدساته هو كذلك عند بروز المصلحة!. حتى نزلت: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ". [البقرة: 217]. نزلت تقرر حرمة الشهر الحرام, وتقرر أن القتال فيه كبيرة, نعم!. ولكن المسلمين لم يبدأوا القتال, ولم يبدأوا العدوان. إنما هم المشركون. هم الذين وقع منهم الصد عن سبيل الله, والكفر به وبالمسجد الحرام. لقد صنعوا كل كبيرة لصد الناس عن سبيل الله. وآذوا المسلمين فيه, وفتنوهم عن دينهم طوال ثلاثة عشر عامًا قبل الهجرة). [في ظلال القرآن] (وبعد ذلك أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سراح الأسيرين, وأدى دية المقتول إلى أوليائه. وتحقق خوف المشركين وتجسد أمامهم الخطر الحقيقي، فازدادوا حقدًا وغيظًا، وصمموا على إبادة المسلمين في عقر دارهم، وهذا هو الطيش الذي جاء بهم إلى بدر). [الرحيق المختوم] وهنا فرض الجهاد بآدابه: وفي شهر شعبان (2 ه)، نزلت: "وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ". [البقرة190-193] حيث جاءت الآيات بفرض الجهاد وآدابه. رسائل تربوية: 1-أنت مملوك لسيدك: غاية المسلم هي الله. ولم يجعل قتال المؤمنين لمن قاتلوهم ثأرًا وانتقامًا؛ بل في سبيل الله. 2- ما أشبه الليلة بالبارحة!: فالحرب الإعلامية لم تزل مستمرة. حيث يستغل الباطل دومًا أي فرصة ليهاجم ويلقي الأكاذيب ويثير غبار الشبهات. 3-تعرف على مهمتك: ثم يبين ربنا تفاصيل المهمة الجهادية. فيمعن السياق في توكيد القتال لهؤلاء الذين قاتلوا المسلمين وفتنوهم في دينهم, وأخرجوهم من ديارهم, والمضي في القتال حتى يقتلوهم على أية حالة, وفي أي مكان وجدوهم. وفي أية حالة كانوا عليها; وبأية وسيلة تملكونها. ولا قتال عند المسجد الحرام, إلا أن يبدأ الكفار فيه بالقتال. وإلا أن يدخلوا في دين الله فتكف أيدي المسلمين عنهم, مهما كانوا قد آذوهم من قبل وقاتلوهم وفتنوهم. 4-شرط ... بشرط: "فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ". (والانتهاء الذي يستأهل غفران الله ورحمته, هو الانتهاء عن الكفر, لا مجرد الانتهاء عن قتال المسلمين أو فتنتهم عن الدين. فالانتهاء عن قتال المسلمين وفتنتهم قصاراه أن يهادنهم المسلمون. ولكنه لا يؤهل لمغفرة الله ورحمته. فالتلويح بالمغفرة والرحمة هنا يقصد به إطماع الكفار في الإيمان, لينالوا المغفرة والرحمة بعد الكفر والعدوان. وما أعظم الإسلام, وهو يلوح للكفار بالمغفرة والرحمة, ويسقط عنهم القصاص والدية بمجرد دخولهم في الصف المسلم, الذي قتلوا منه وفتنوا, وفعلو بأهله الأفاعيل). [في ظلال القرآن]
د. حمدى شعيب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.