الصورة الذهنية لجماعة الإخوان المسلمين لدى قطاع عريض من الشعب المصرى قبل ثورة يناير كانت رائعة، ثم اشتراكهم وشبابهم فى ثورة يناير رغم كل أضاليل العجزة وإعلامهم، وحراستهم لليالٍ الأيام الثمانية عشر، وحرصهم أن يظل التحرير مشغولاً ليلاً وعامراً بالشباب، ثم ما قدمه شهداؤهم بإذن الله، ذلك كله وغيره سيأتى يوماً ومساحة «ذهبية» عريضة لنقصه ولنرويه، والذى على الإخوان أيضاً رغم نكرانهم للذات فى هذا الشأن تحديداً أن يرووه، فذلك حقهم الذى تنازلوا عن إعلانه حتى اليوم، أقول ذلك كله إضافة لهذه الصورة الذهنية الرائعة، وثيقة ذهبية لا ينكرها إلا الكذبة المضللون. أما أنا فلقد كانت لدىَّ، فضلاً عن هذه الصورة الذهنية الرائعة، والتى ما زالت ولن تنمحى أبداً، أقول كانت لدىَّ صورة ذهنية أخرى، هى أن جماعة الإخوان المسلمين، جماعة «مديرة»، ولكن ثبت لى أنها كانت صورة زائفة خدعت نفسى بها، وللأسف خدعت بدورى آخرين غيرى بها. مشكلة الإخوان المسلمين انطلقت «استراتيچياً» من غياب هذه الإدارة العلمية، وفى «التكتيك» وضحت أكثر التفاصيل المؤيدة لغياب الرؤية، ولإدارة الفكر إجمالاً، وكررنا تفاصيل هذه الأخطاء مراراً طوال أكثر من عامين، وصاحبتها نصائحنا بكيفية مداواتها، دون مجيب، لأن الرؤية من الأساس لم تكن موجودة مطلقاً! ولكنى اليوم سأتوقف عند ما لم يتوفر للإخوان أيضاً، أقصد قراءة مصر ومستحقاتها الاقتصادية تحديداً، وهو ما مثل لى علامة تعجب كبرى، فالحاجة أم الاختراع، وبلد مثل مصر بحالها وتنوع ناسها وتنوع آلامهم وآمالهم كذلك، تدفع مديرها الذى يريد إقناع الناس بمشروعه، أن يعمل أولاً على النهوض باقتصادهم، هكذا «الحاجة» تدفع المدير «الحق» إلى سبيل استخلاص الحل، بل والحلول غير المألوفة والمبدعة، فما بالنا والأمر هين الاهتداء إليه؟ صدقونى.. ذلك ما أثار دهشتى أكثر، أن الأمر هين لدى الخبراء «العاديين»، ولكن كانت الجماعة، وما زالت، فى هذا الشأن الهام، أقل من العادية، المشكلة إذا كانت وما زالت مركبة، نقص واضح لدى الجماعة، وانغلاق. انغلاق بدا لدى الخصوم وكأنه انغلاقُ المكابرين، بينما هو يقيناً عندى، انغلاق «إللى مش عارفين»، لأنهم يظنون أن ما لديهم كافٍ، بينما فى الحقيقة هو دون المستوى المفترض بمسافة كبيرة، والأخطر أنهم لا يدرون أنه دون المستوى، ومن عشرات الأمثلة الدالة على ذلك، والتى نبهنا إليها مراراً وتكراراً، سأتخير منها الآن، مثالاً بسيطاً واضحاً سهلاً على الفهم، رغم أنى كنت أتمنى أن أتحدث اليوم بشىءٍ من التفصيل، عن الدولة العميقة، وعلاقتها بالاقتصاد. قلت فى 2011، إن الله سبحانه وتعالى بارك لنا فى محصول القمح بعد خلع مبارك، وأن الإنتاجية ارتفعت ذلك الموسم من ستة وسبعة "أرادب" إلى أربعة عشر وإلى ستة عشر "أردب"، بعيداً عن الأرقام الكاذبة والمبالغ فيها التى كان يدعيها نظام مبارك أو تُدّعى جهلاً الآن، كما حذرت مما كان يحدث فى مواسم الحصاد واستلام القمح فى السنوات العشر السابقة من فساد «كارثى»، ثم فى 2012 كررت نفس الحديث، بل وبعثت برسالة للحملة الانتخابية للرئيس مرسى، عندما تحدث المرشح الرئاسى وقتها عن القمح ومنظومة الأسمدة، كما تحدثت عن دور الدولة العميقة فى ذلك، ثم فى شتاء 2012/2013 عاودت الحديث عن القمح محذراً عما يحدث فى مواسم الحصاد والتسليم للصوامع المختلفة وللمطاحن، ثم فى إبريل الماضى، ثم فور افتتاح الرئيس لموسم الحصاد، ومع ما كان يعلنه الرئيس وحكومته ومن قبلهم حكومتى المجلس العسكرى، عن العشرة ملايين طناً المتوقعة، قلت إن هذا كلام بعيد تماماً عن العلم والحقيقة، وأنه يشجع الفسدة فى هذا المجال ويظهر لهم أن الحكومة «مش على بالها الحدوتة»، وبالمناسبة مصر كلها حكومة ومعارضة إلا النادر «مش على بالهم»، ونزعم بتواضع أن ما نبهنا إليه وحذرنا منه بوسائل عديدة، منها النشر وعبر المنتديات وعبر الاتصال المباشر، قد أربك هؤلاء الفسدة ومنعهم هذا الموسم، كما أن فطنة وزير التموين لهذا الشأن الجلل بعد وصول المعلومة إليه، وإن تأخر تحذيره الذى وجهه للفسدة، إلى الأيام الأولى من الحصاد والتسليم، أخافت هؤلاء أيضاً فمنعتهم، ومن ثم ظهرت هذا العام إنتاجية القمح على حقيقتها، بل وربما أزيد قليلاً من حقيقتها. ذلك شأنٌ على فداحته صغير مما هو أعمق فى قطاع الزراعة ككل وغيره من قطاعات، وأن هذه عينة من كثير جداً...، كثير جداً وعلمى لا يشوبه «خزعبلات» أو هواجس مرضية أو كلام مرسل بدون دليلٍ علمىِّ، وأضيف وعميق ويمثل لدىَّ هماً شديداً، لا لشيء إلا لكونه «مش على البال». يا سيادة الرئيس، إن أردت أن تدرك مصر إجمالاً وباقتصادها، ومن ثم أهلها ونفسك وجماعتك، بل وتيارك العريض كله، عليك بالانفتاح العلمى سريعاً على الخبراء، ليقدموا لك الصورة على حقيقتها وعمقها، ومن ثم ليقدموا لك حلولها الناجعة. يا سيادة الرئيس، من ضمن ما قدمناه وكررناه طوال عامين وما من مجيب، أفكار لمشروعات فضلاً عما تحمله فى طياتها من أدوات جذب، تمويلها وعوائدها التى تصاحب بداياتها وبرامج هيكلية «نموذجية» واستخداماً لإمكانات الدولة «المعطلة»، فكذلك تحقق «احتواءً» سياسياً معتبراً وغير مألوفٍ وعوائده السياسية سريعة ورائعة، ليس فقط على الشباب ولكن مجتمعياً إجمالاً، ويا سيادة الرئيس نحن لم نعتد «البكش»، كما ندرك أن البكش سرعان ما ينكشف فيفضح صاحبه، لذلك لم نعتد أن نقدم أفكاراً «أى كلام»، يا سيادة الرئيس ما لدينا وغيرنا، أنت محتاجٌ إليه الآن وبسرعة، يا سيادة الرئيس لم أكن أود أبداً أن أطلب لقاءك أنت تحديداً وما كنت أتمنى ذلك، رغم قيمة هذا اللقاء وقدره، وقدرك الشخصى عندنا يا ريس، ولن أطلبه. لن أطلب هذا اللقاء، ولكنى وغيرى كُثُر، سنسعى لمصر بإذن الله ولن نضن عليها. * قلنا فى مقالنا السابق: نعم سيمر هذا اليوم «30 يونيه» إن شاء الله، بكل إخفاقات هذه الأقلية وعجزها وربما تخريبها وتعويقها، وستُرسى أو على الدولة بأجهزتها أن تُرسى عبر الآليات المستندة إلى تشريعات نطالب بها مجلس الشورى، الأمن والهدوء فى ربوع مصر بكيفية حازمة دون جورٍ على الحريات التى يكفلها الدستور. ولكن ولكوننا نتحرى دوماً الأسباب العلمية، فأبداً لا يمكن لهذه الآليات وحدها والتشريعات كذلك أن تحقق الهدوء الذى نأمله، بدون بيان للرئيس إلى الأمة يحمل خارطة طريق اقتصادية وسياسية مبنية على رؤية «علمية» وشمولية، تحمل فى طياتها أدوات وآليات معتبرة لتحقيقها، تسبقها مراجعة وعزيمة على تدارك الأخطاء، وهى بالمناسبة أخطاء فادحة وبعضها متكررة. إلى هنا، واليوم أضيف، أن هذا البيان المطلوب من الرئيس أن يوجهه للأمة بعد 30 يونيه، لا يجب أن يشابه بيانه الأخير «الأربعاء الماضى»، ولكنى أقصد بياناً «موجزاً» يحمل خارطة طريق «علمية»، ويحمل مشروعات أخرى «ممكنة» على كافة الأصعدة، بخلاف تلك التى تحدث عنها، على عظمها وأهميتها التى لا ينكرها أو يتجاهلها، إلا الكذبة المضللون. محسن صلاح عبدالرحمن عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.