استسهال الحديث فى أى أمر ومهما صغر ليس من خصالى، فما بالى بالأمور المعقدة أو المصيرية كموضوع الأمس البعيد واليوم وغدًا، أقصد موضوع المياه ونهر النيل وعلاقة مصر بدول الحوض كلها وإثيوپيا بالأخص. الفكر المسؤول ونهج التعاطى، السيناريوهات وإلى مداها، التكتيك المتدرج، الأصابع وتجميدها لأن «قطعها صعب»، التلويح الصادق «إمكانيته ومداه؟»، رد الفعل المؤثر، والحسم الذى ينفى الاستنزاف، الوعى بخريطة التحديات، استنهاض القدرات. الأمر يحتاج منى لتدبر كافٍ قبل الولوج فيه، واكتفيت بهذه المقدمة التى قد تمثل عناصر هادية لى إن استطعت أن أدلى بدلوى، وأكتفى الآن بنصيحة أن يمتنع الرعناء وأهل الهجص، وأخرى للحاكم أن أسعى ابتدائيًا فى التصعيد السياسي المتدرج المدروس مسبقًا فى خلية استراتيچية، وإلى تلويحات شعبية «موجهة»، مع سعى موازٍ إلى الدور العربي الواعي بأمن العرب ومن ثم وجوب «التعضيد السياسي لمصر والضغط الدولي كذلك ودور منشود للاستثمار العربي/المصري هناك»، وهو ما يستلزم تحسين العلاقات المصرية/ العربية تحت شعار ترسله للأنظمة وتستفتح به معهم، أن القفز فوق الخلافات عند الملمات العربية وأن يقظة إلى الأمن العربي «كله». بالتأكيد كل ما تقدم، بعد بحث حقيقة ضرر هذا السد الإثيوپى ومداه، وإلى حديث مقالي اليوم. الرسائل التي تأتيني تعليقًا على ما أكتب كثيرة، أما غالبيتها العظمى فهى تلك التى تهاجمني بل وأحيانًا تستخدم نعوتًا «مش لطيفة» يعاقب عليها القانون، وأبدًا لا أبادل أصحابها تلك النعوت ولا حتى أدنى منها، أما الجميل حقًا فلقد أقام البعض ممن هاجمني صداقات إلكترونية معي، أما التالي فردي على رسالة وصلتني مؤخرًا: بداية أهلًا بك أخي الكريم، صدقني أجتهد دومًا أن أحيد هواي وانتمائي حينما أرصد الحالة المصرية, كما أظنك ومن متابعتك لكتاباتي تلحظ اجتهادي في ممارسة النقد الذاتي، حين أنقد التيار الإسلامى، بل وفى أحيانٍ كثيرة أكون شديد القسوة في ذلك، وبعد.. وبعد، فحين أقول أن لا ثورة بدون الإسلاميين، وهو ما ترفضه أنت وتنتقده، وتضيف أن ثورة يوليو التى قام بها «الجيش» دليلك فى ذلك، فذلك مرجعه عندي لسببين: الأول، فلأنهم التيار العريض والمنظم، والمهم أيضًا القادر على الحشد، والمهم كذلك القادر على الاستمرار، متمتعًا في ذلك بميزات ثلاث تميزه عن بقية الفصائل السياسية كافة ومجتمعه، وهى الإخلاص للفكرة السامية، حجم الحشود، واستمرارية الضغط السلمى المنظم. الثانى، أن الجيش ولاعتبارات استراتيچية وعلمية إجمالًا، وفي التفصيل تاريخية وأمنية وسياسية كذلك، ثم وبعد ثورة يناير، لن ينقلب على الحياة السياسية، أما ثورة 52 فلا أقول عنها إنها استثناء، ولكن أمرها مغاير تمامًا عما تتحدث عنه أنت والأهم عما كانت مصر عليه 1952، فعندما قامت ثورة يوليو كانت من الجيش على سلطته ونظامها الكلى، ودعمها الشعب وقتها. أما ونظريًا لأنه غير وارد تمامًا، فثورة الجيش الآن، تعنى اقتتالًا أهليًا لا قدر الله، أما الأهم والمغنى، فهو ما أوردته لك فى بداية هذا البند، ولك أن تطمئن على جيشنا، لكونه يعى تمامًا مهامه الجسام، وعلينا أن ندعمه بكل ما أوتينا، لأن التحديات عظيمة، ولا يجب أن تستهلكه السياسة. يبقى أن أقول لك يا أخى الكريم، أما المفاجأة التى يمكن أن تصدمك، أن معظم هؤلاء الذين أنتقدهم من الخصوم السياسيين، ورغم الخلاف السياسى والأيديولوچى بينى وبينهم، إلا أن معظمهم أصدقائي وعلى تواصل دائم بي، أما المفاجأة الأكبر لك فهي أن البعض منهم يعترف لي في الغرف المغلقة، بأن لا أقول كل، ولكن معظم ما أقوله فيهم وعنهم صحيح بما فيه الكذب مثل مضاجعة الوداع وتزويج بنت تسع وبيع آثار مصر والإشاعات الكاذبة عن الرئيس وغيره وترديد هذه الإشاعات عبر الإعلام باعتبارها حقائق و....، وأنهم يبررون ذلك بأنه مباح في المعارك السياسية بينهم وبين الإخوان، بينما أنت يا أستاذ لا توافق على ما يعترفون به هم أنفسهم!... هذا لا يعني عندي أن الإخوان على الطريق الصحيح، بل أخطاؤهم في السلطة حتى الآن، منها ما هو شديد السوء. وقى الله مصر من كل سوء، فكلنا سنخسر إن تعرضت لمكروهٍ لا قدر الله، وأنا (مسامحك) فيما نعتني به، هداني وهداك الله سبحانه وتعالى وغفر لنا، مع تحياتي، محسن. إلى هنا انتهى ردي على رسالته الإلكترونية، والتي استثمر ما ورد بها من حديث عن الجيش المصري، لكي أتحدث عنه وغيره. بدايةً، فالكتلة التصويتية للجيش، حال اشتراكه بالتصويت في الانتخابات والاستفتاءات، تأثيرها ليس كبيرًا على نتيجة أي استفتاءات تتعلق بهوية مصر الإسلامية ودستورها، فالتصويت الشعبي كاسح في هذا الشأن، كما أن تصويت الجيش في الانتخابات وبفرض أن غالبيته علمانية، فتأثيره في هذا الشأن إما محدود في دوائر جغرافية بعينها أو متدنٍ، لتشتت المنتمين له جغرافيًا، سواء سكنيًا كان، أو تبعًا لوحداتهم المنتشرة في ربوع مصر، حيث يزداد التركيز في مدن القناة مثلًا، ويقل في مدن ودوائر أخرى، ومع كل ما تقدم فالمنطق «المصري» الوجيه في هذا الشأن، يقول إن هيئات مثل الجيش والشرطة والقضاء، يجب أن تمتنع تمامًا عن أي نوع من الممارسة السياسية الجهرية أو العامة، وإن كنا نتمنى السرية والخاصة أيضًا، فاستقلال هذه الهيئات الثلاثة عن الحياة السياسية في مصر، وعلى الأقل إلى مدى من الزمن غير منظور الآن، هو فريضة مصرية عامة، يجب أن نصر على تحقيقها. وكان يكفي ما تقدم عندي، لكي أبرر عبره تلك الضرورة، ولكني أشير لدور هذه الهيئات في حراسة العملية التصويتية، إجرائيًا وتنفيذيًا، منذ فتح باب الترشح أو الإعلان عن استفتاء، إلى تمام الإجراءات وإعلان النتائج بل وعند النظر في الطعون بأنواعها، قبل التصويت وأثنائه وبعد إعلان النتائج، فهل نعي حجم ومدى السلبيات حال اشتراكهم في التصويت، وأجواء ذلك على السلم الأهلى؟!.. الإجابة تتضمن الكثير، وهو معلوم ونحن في غنى عن تبيانه كذلك في هذه المساحة المحدودة. ومن يقول إننا يمكن أن نتيح لهذه الهيئات التصويت، مع اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة في الوقت نفسه بعدم ممارسة أي نشاط سياسي داخل الجيش أو الشرطة أو القضاء، منعًا لتسييس هذه المؤسسات العامة والحساسة، فهو عندي طفلٌ أرعن أو شيخٌ مقامرٌ لا يعي أمن مصر القومي، وتبعات السماح لهذه الهيئات ولو حتى بالتصويت وفقط. كنت سأطالب وزير الدفاع ببيان حاسم في هذا الشأن، ولكن الوزير الرشيد سبقني للتو الآن بتصريحه الحاسم، على هامش زيارته للسويس. كل مشاكلنا على الإطلاق، أحمل الإخوان المسلمين تحديدًا، المسؤولية الأولى عنها، وقد بدأت منذ 11 فبراير 2011، بسياسة «الطبطبة» ولم تنتهِ بالانغلاق وبمكابرة الجهلة، إلا من رحم ربي منهم. ثم وفضلًا عن «الطبطبة» وتبعاتها وحصادنا المر من ورائها، فمن العجيب أيضًا أننا نبهنا بأهمية التعاطي الرشيد مع الدولة العميقة، منذ 2008 وتحت عنوان «ضرورات ما قبل التغيير» بالمصري اليوم، ثم أثناء أيام الثورة وعبر قناة الجزيرة بشيء من التفصيل، ثم من وقتها وإلى الآن وبتفاصيل أعمق، ومستقبلًا إن قدر الله لنا عمرًا سنظل نقدم المزيد، ولكن ماذا تفعل مع من لم يعِ، ومازال على جهله وانغلاقه، وحصادنا المر معه؟! ومع كل هذا المرار، ورغم كل نقدي هذا، فسأظل أكرر، أن لن ينفع مصر إلا المخلصون الشرفاء من أبنائها، والإسلاميون ومن ضمنهم الإخوان، فى القلب منهم. محسن صلاح عبد الرحمن عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.