مبادرتان أخريان تم تداول الأمر فيهما على نطاق واسع خلال الأسبوع الماضي، إحداهما لم يقدر لها الظهور للاختلاف على جدواها في هذه الظروف المحتقنة، والأخرى تم تجاهلها عمدًا من كل الأطراف بعد نشرها لأنها فيما يبدو لم ترض الجميع، أما المبادرة الأولى فهي مبادرة إسلامية طرحها بعض العلماء أصحاب الحضور المعنوي والعلمي الكبير في الساحة الإسلامية، وكانوا ضمن الوفد العلمائي الذي قابل الرئيس مرسي قبل أسبوع تقريبًا، والمبادرة الإسلامية قصدت وضع حد للاصطفاف السياسي الخطير بين أبناء الوطن والذي ينذر بالخطر، وإعادة الأمر إلى مرجعيته الأساسية، الشعب، لكي يقرر ما يختاره من موقف ويحسم هذا الانقسام، وكان نص المبادرة الإسلامية التي تداولها عدد كبير من رموز الدعوة الإسلامية في مصر خلال الأسبوع الماضي يقول نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم، إنه نظرًا لما ألم ببلادنا من تفرق غير مسبوق وتوترات تنذر بخطر جسيم على أبناء مصر بسبب الخلاف حول بعض السياسات العامة للدولة والاعتراض على استمرار السيد رئيس الجمهورية في منصبه من قبل قطاع من الأحزاب والمؤسسات مقابل تأييد قطاع آخر من الأحزاب والمؤسسات لبقائه، واستشعارًا من علماء الأمة لمسؤولياتهم تجاه الوطن في اللحظات الحرجة، فقد بادروا بالاجتماع والتداول لهذه الملمة التي ألمت بالوطن للبحث عن مخرج منها، ونصحًا للأمة وتقريبًا لوجهات النظر بين الفرقاء، فقد رأى العلماء الموقعون على هذا البيان دعوة كل الأطراف والخصوم إلى ما يلي: أولاً: تجريم أي أعمال عنف أو أعمال مسلحة ضد أي مواطن مصري أو منشأة مصرية عامة أو خاصة، والتأكيد على حرمة الدم والمال، باعتبار أن الجرأة عليهما فساد وإفساد في الأرض، والالتزام الكامل بسلمية المظاهرات المعبرة عن وجهة النظر السياسية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) متفق عليه. ثانيًا: باعتبار أن الأمة هي مصدر السلطات وأنها معقد الاختيار والحل ومرجع القرار في الملمات التاريخية، فإن الموقعين على هذا البيان يدعون السيد رئيس الجمهورية الدكتور محمد مرسي إلى دعوة عموم الشعب المصري إلى استفتاء عام على مسألة بقائه لنهاية مدته الرئاسية من عدمه، على أن يتم الاستفتاء خلال مدة أقصاها ستون يومًا من تاريخه. ثالثًا: دعوة الأحزاب والقوى السياسية إلى تأجيل فعاليات يوم 30 يونيه الاحتجاجية، أو تحويلها إلى عمل رمزي بعد تعهد رئاسة الجمهورية بالاستفتاء المشار إليه في البند السابق. نسأل الله أن يلهم الأمة جميعًا، حكامًا ومحكومين، الرشد والسداد، وأن يعلوا جميعًا مصلحة الوطن والشعب على أي مصالح خاصة أو حزبية أيًا كانت، والله تعالى من وراء القصد)، انتهى النص الكامل للمبادرة الإسلامية التي دفنتها أجواء العصبية الشديدة والتوتر وأجواء المزايدات التي لا تتيح لصوت العقل أن يكون له حضور، وإنما أصحاب الصوت العالي والزعيق والعنف والتشنج هي التي تبرز. المبادرة الثانية وهي التي قدمها حزب الصرح، وأعلن عنها الأستاذ طلعت رميح، عضو مجلس الشورى والأمين العام للحزب، والذي قال إن مبادرة الحزب ترتكز على نقطة واحدة، مفادها أن يقوم الرئيس وفقًا لما تخوله المادة 150 من الدستور، والتى تنص على أنه من حق الرئيس أن يدعو إلى إجراء استفتاء العام فى المسائل الهامة، التى تتعلق بأمن البلاد، بالدعوة إلى إجراء استفتاء حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة". وأضاف البيان: "نحن فى حزب الصرح نرى أن الرئيس محمد مرسى رئيسًا شرعيًا للبلاد، وأن شرعيته غير قابلة للطعن أو المزايدة، لأنه جاء عبر انتخابات نزيهة، إلا أننا وخوفًا من النفق المظلم التى قد تنجر إليه البلاد يوم 30 يونيه، وما يتوقعه البعض من أن يكون هذا اليوم سببًا فى انفجار العنف فى كافة أنحاء البلاد، وحقنًا لدماء المصريين التى تمثل لنا خطًا أحمر لا يمكن لأى مصرى حر محب لبلاده أن يتجاوزه، فإننا ندعو الرئيس إلى أن يدعو لإجراء استفتاء شعبى حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، على أن يتم إجراء هذه الانتخابات فى حال موافقة الشعب المصرى عليها فور الانتهاء من انتخابات مجلس النواب وتشكيل الحكومة الجديدة. والملاحظ هنا أن المبادرتين تم تقديمهما من علماء وقيادات وشخصيات سياسية مقربة من الرئيس مرسي ومن المدافعين عنه، وكنت أتمنى لو أن هناك لجانًا أو جهودًا تأخذ على عاتقها بكل جدية تفعيل تلك المبادرات وتطويرها، ولكن ذلك يحتاج إلى قدر أعلى من الإحساس بالمسؤولية من كل الأطراف تجاه الدم المصري والثورة المصرية والمصالح العليا للوطن، ويبدو أن ذلك غير متوفر حتى الآن مع الأسف. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.