على الذين سيمضون في طريق 30 يونيه القادم، مؤيدين أو معارضين، أن يدركوا جيدًا أن ذلك الطريق اتجاه واحد فقط، لا يمكن لمن يسلكه أن يعود من منتصفه فلا بد أن يسلكه لآخره.. وآخره السلامة أو الندامة، لا يوجد خيار ثالث، ففي حين يدرك المعارضون أن عودتهم دون خلع الرئيس مرسي سيعد رسوبًا مدويًا في امتحان آخر العام بالنسبة لهم، وربما لا تتاح لهم أدوار ثانية، يدرك جيدًا مؤيدو الرئيس أن إفساح الطريق للمعارضين إلى قصر الاتحادية يعني الحكم عليهم دون محاكمة، وربما إيداعهم القبور دون السجون. ماذا ينتظر المعارضون من أناس يدركون جيدًا أنه إذا سقط الدكتور مرسي، وتم تسليم البلاد لمجلس رئاسي من آخرين، فسوف ينشط جهاز الشرطة الكسول بقدرة قادر، وسوف تبارك القوات المسلحة هذه النتيجة معلنة عن حيادها الكامل، وسوف يرزع قضاة المحكمة الدستورية يمين طلاق بالتلاتة أن هذه الخطوة قانونية ودستورية مائة في المائة، فالجميع متربصون بهذه اللحظة، وحينها لن يكون للإسلاميين الحق في تنفس الهواء. من الطبيعي جدًّا أن تتحول المسألة لديهم إلى حياة أو موت، وأن تجعل طريقهم إلى 30 يونيه اتجاهًا واحدًا فقط لا يسمح بالعودة، هذه هي الحقيقة بكل وضوح، لكن الغريب حقًّا أن كثيرًا من قادة الخروج في 30 يونيه يعلنون أنهم سيدخلون قصر الاتحادية لاحتلاله، ويطالبون مؤيدي الرئيس بألا يخرجوا في ذلك اليوم، وأن يكتفوا بمشاهدة أحداثه على شاشة التليفزيون، فذلك هو السلوك الحضاري في وجهة نظرهم!! إنني عندما أستمع إلى مثل هذا الكلام وهو كثير ومتكرر في برامج التوك شو وفي الصحف، أدرك حقيقة مرة، مؤداها مستوى التفكير الصبياني بل الطفولي لدى قامات من المفترض أنها ذات شأن ومقام، وبعضها كان مرشحًا لحكم مصر، بل كان قاب قوسين أو أدنى لبلوغه، فكيف نخبر إنسانًا أننا سنهدم بيته فوق رأسه، ونطلب منه أن يكون مؤدبًا وراقيًا وحضاريًا ولا يحرك ساكنًا ليفلت من هذا؟ من المنطقي أنه سيواجه ذلك بمبدأ يا روح ما بعدك روح. إنه من حق أي إنسان أن يكون معارضًا، وأن يبدي رأيه كما يشاء، وأن يطالب بإسقاط الرئيس وكل الرؤساء من بعده، وأن يقضي حياته ثائرًا معترضًا لاعنًا شاتمًا.. هو حر. ولكن عليه أن يدرك عواقب ما هو مقدم عليه، فما يتم الآن هو بمثابة تحضير العفريت، وكم سمعنا ونحن صغار عمن أحضر العفاريت ثم عجز عن صرفها، فقضت عليه. لم يبق في المسرحية إلا آخر مشاهدها، حيث يتوقع الآملون في رحيل الدكتور مرسي أن أضعف الإيمان هو استمرار المظاهرات والاعتصامات بما يشل الحياة، مما سيدفع القوات المسلحة إلى النزول في الشوارع وتصدر المشهد، لنعود إلى المربع الأول بعد ثورة يناير. وأعتقد أن هذا غير وارد لأسباب كثيرة؛ أهمها أن القوات المسلحة غير مستعدة لتحمل مسئولية وطن منهار اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا، وليس لقادتها مطمع في الحكم، وهي تعي جيدًا أن غالبية الشعب المصري لن يرحبوا بالحكم العسكري مهما أثير حول الحكم المدني من انتقادات، وما الذي يجعل القوات المسلحة تغرق نفسها في مشاكل لا حصر لها، في حين أنها تنعم بالاستقلالية الهادئة المطمئنة في ظل أي نظام إسلامي أو غير إسلامي؟! كما أنها تعلم جيدًا أن إزاحة الإسلاميين من الحكم بالقوة بعدما استحقوه بالإرادة الشعبية من شأنه أن يجعل خلايا الجهاد الإسلامي تنشط من جديد لتكون أشد ضراوة مما كانت عليه في آخر السبعينيات وأول الثمانينيات، حيث ستعود هذه المرة وفي قناعة أفرادها أن السلمية لم تصلح مع العلمانيين، وأنهم يدافعون عن شرعية إخوانهم المسلوبة، وقد يكونون محقين. إننا لم نكد نتنفس الصعداء كوطن يتوق إلى الاستقرار والعمل الجاد، بعد إخماد بعض هذه الخلايا والتصالح مع البعض الآخر وإقناعهم بالعمل في النور، فهل نهيئ السبل لعودتها لعشرات السنين القادمة لأننا لا نصبر عامين يكون ثالثهما تحضيرًا لانتخابات رئاسية مستحقة دون بلبلة؟! فأرجو أن يدرك الجميع جيدًا قبل المضي في طريق 30 يونيه أنه ضيق وطويل واتجاه واحد فقط. وأن الصراع فيه يشبه مصارعة الثيران؛ إما أن يموت الفارس أو الثور الهائج ولكنهما لن يعيشا معًا بعده أبدًا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.