سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حرية في سجن مصر الكبير 30 ألف أسير في معتقلات الرأي.. و20 عسكريا لكل متظاهر.. وحاكم في قلعة الطوارئ
تكميم أفواه المعارضة وفقا ل نظرية المؤامرة.. والعصافير تنقل الاجتماعات السرية علي الهواء
لا تبتسم فتتهم بالسخرية من النظام.. لا تشك أوجاعك فيخبروا الحاكم أنك تريد قلب نظامه لا تتحدث في شئون السياسة فالحيطان لها آذان, لا تهتف ضد الرئيس فيقطعون لسانك ولا تتظاهر فتقع تحت طائلة قانون الطواريء.. إذا التزمت بهذه البنود من تعليمات السلامة فأنت حر.. مالم تضر. هذا وضع الحريات في دولة مبارك الديكتاتورية التي كان النظام يتصنت علي غرف النوم وقاعات الاجتماعات ويقمع المعارضين ويلجأ مستعينا بأجهزته الأمنية إلي وسائل رخيصة لتصفية المناوئين وإلصاق التهم بهم وتشويه صورهم في وسائل الإعلام التي تسبح بحمد النظام. اتخذ مبارك من قانون الطواريء درعا حصينا له من المعارضين ومن يتجرأون علي انتقاد سياساته التي بلغت في السنوات العشر الأخيرة من حكمه مدي من الجبروت والانفراد بالسلطة غير مسبوق وأسهم هذا القانون بنجاح منقطع النظير في تعطيل الحريات, فقد عمد إليه الرئيس المخلوع لتوسيع صلاحيات جهاز الشرطة الذي اخترق ما وراء الأسوار ونفذ به حتي إلي الحياة الخاصة للمواطنين, وبموجب هذا القانون أيضا تم تعطيل الحقوق الدستورية وتأويل ممارسات النظام القمعية لتخدم بقاءه. واتساقا مع الفساد المعمر لمدة30 عاما, جعل مبارك من قانون الطواريء أداة باطشة لأي نشاط سياسي غير رسمي يصدر عن أي جهة غير حكومية, لذلك فقد طال ذلك القانون الإسلاميين واليساريين وأصحاب الأقلام المعارضة ولم ينجح من سيف الطواريء سوي الأحزاب الكارتونية وأفراد المعارضة المستأنسة التي كانت تقوم بدور السنيد, وفيما عدا هؤلاء فقد امتلأت سجون مبارك بكل من قال لا حتي وصل عدد من احتجزهم النظام بموجب هذا القانون إلي نحو20 ألفا مقابل30 ألف سجين سياسي معظمهم من الإسلاميين الذين كان يدرك مبارك جيدا أنهم القوة الصاعدة التي تهدد بقاء نظامه وذلك بناء علي التقارير المرفوعة إليه من جهات مباحث أمن الدولة. لذلك, فقد كان التظاهر والهتاف ضد مساويء النظام, دربا من المخاطرة, فبمجرد تجمع عشرة أو عشرين متظاهرا كانت تحيط بهم جحافل الأمن المركزي ويتسلل ضباط أمن الدولة للقبض علي المتظاهرين واحدا تلو الآخر, ليتم احتجازهم وفق قانون الطواريء دون تحديد فترة زمنية لاحتجازهم ودون السماح بحضور محام التحقيقات ودون العرض علي النيابة, ولذا فقد جاهد مبارك في سبيل الإبقاء علي هذا القانون حتي لحظة إزاحته عن سدة الحكم في11 فبراير من العام قبل الماضي. قمع الحريات قبل ثورة25 يناير, كما يقول طارق إبراهيم المنسق العام للجنة الحريات بنقابة المحامين, طغي علي سماء مصر قبل ثورة25 يناير وأصبح تنفس الحرية والديمقراطية بشق الأنفس وسيطرت النخبة الحاكمة علي نسمات الهواء حتي وصل الأمر إلي التصنت علي المواطنين داخل غرف النوم وتسجيل المكالمات التليفونية والاستعانة بفتيات الليل من أجل تصفية خصوم النظام السابق بتشويه سمعتهم. ويقول إبراهيم: أصابع الأمن اخترقت النقابات والجامعات والأحزاب ولم تذر علي وجه أرض مصر فئة إلا وتوغلت داخلها, وعندما حاولنا عقد محاكمة شعبية لفساد الحزب الوطني في شهر مارس2010, سلط مبارك جهاز مباحث أمن الدولة فقاموا بإغراق نادي المحامين النهري بالمعادي حيث كان مقررا أن تعقد به المحاكمة الشعبية لكننا أصررنا علي عقدها أمام النادي إلا أنهم طاردونا في الشارع وأوسعونا ضربا وسحلا وكان من بين الذين تعرضوا للاعتداء المستشار محمود الخضيري ومحمد الدماطي وكريمة الحفناوي. وفي كل اجتماع لأي تنظيم نقابي كانت عصافير الأمن حاضرة تتجسس تنقل تفاصيل ما يحدث كما قام النظام بتجنيد عناصر في الجامعات للتجسس علي النشاط السياسي للحركة الطلابية, إضافة إلي عملاء في جميع المحافل التي كانت تتطرق إلي الشأن السياسي وذلك لمصادرة الآراء والمواقف التي لاتروق لمبارك ونظامه, حتي أننا, والكلام لمنسق لجنة الحريات, كنا ننتهي من الاجتماع ونخرج فنجد جميع ما دار علي مائدة النقاش وقد تسرب إلي جهاز مباحث أمن الدولة بالصوت والصورة. وتفسيرا لقمع الحريات الذي مارسه مبارك وانتهي إلي الثورة علي نظامه, يقول إبراهيم: كان الرئيس المخلوع يسيطر عليه خوف قاتل من الاغتيال وكان مؤمنا حق الإيمان بنظرية المؤامرة, وهذا ما جعله ينتهج الطريقة الأمنية المبالغ فيها لقطع الطريق علي أي محاولة للنيل منه, وعليه شهد عصر مبارك تحويل نحو40% من الشباب الذين ينخرطون في سلك الجندية إلي قطاع الأمن المركزي وهذا يفسره الحشود الأمنية التي كانت تحيط بالتظاهرات المحدودة أمام نقابتي الصحفيين والمحامين ودار القضاء العالي. ويضيف إبراهيم: فور أن ظهر جمال مبارك علي الساحة السياسية( أو بالمعني الأدق تسلل إليها) بدأت موجة معارضة كاسحة تشهدها مصر ضد الوريث المنتظر وتجرأت بعض وسائل الإعلام غير الحكومي علي نشر تقارير صحفية تشير إلي ما يعمد إليه مبارك من تجهيز ابنه لخلافته علي عرش مصر, وهنا أحس الرئيس المخلوع بالخطر الذي يهدد مشروع التوريث لذلك كان الحل الذي رآه ضروريا لبقائه, هو قمع الحريات وتكبيل المعارضين, واستطرد: في مشهد ما قبل الثورة استعان مبارك بكتيبة من الإعلاميين كانت مهمتهم الترويج للوريث وللحرية المزعومة التي يشهدها عصره, لكنها كانت حرية مغلوطة, فمبارك كان منزها عن النقد, وفوق سقف المعارضة وجعل من الحكومة ستارا يقف خلفه, وبينما كانت الآراء المعارضة تؤذن في مالطا كان الرئيس ونظامه الفاسد يفعلون ما يريدون في عزبة مصر التي قمعوا فيها نسمات الهواء وأصوات الحرية التي كادت تموت للأبد لولا أن أجاب الناس داعي الثورة عندما دعاهم. قمع مبارك الحريات علي الأرض, فجاءته من عالم آخر, لا بالنقد والمعارضة فقط وإنما بهتاف يسقط حكم مبارك من العالم الافتراضي الفيس بوك.