لا يمكن تفسير تذبذبنا فى نصرة القدس ، وتراوحنا بين الغضب الشديد والفتور الغريب ، الا باضطراب الرؤية و غياب الوعى بحقيقة المشكلة وعمقها . وهو ما يعود فى الأغلب الى تعدد المعاني المقصودة بالقدس كما ترد فى أحاديث وكتابات الأطراف المختلفة ، او فى المراجع والمصادر المتعددة ، او على موائد المفاوضات والاتفاقيات الدائرة منذ 1993 . فقدس الصهاينة و(إسرائيل) ليست هى قدس ابو مازن والسلطة الفلسطينية ، ليست هى القدس التى يتفاوضون عليها ، ليست هى القدس كما وردت فى مشروعات التسوية النهائية فى الأروقة والدهاليز الأمريكية الصهيونية . وليست بالطبع هى قدسنا الوطنية و التاريخية التى نستهدف تحريرها . ومصدر هذا الاضطراب والاختلاط فى المعاني والمفاهيم هو المقايضة التى تمت على فلسطين ، فعندما نقايض أرضا بأرض ، ووطنا بوطن ، فان العدو عندئذ لا يجد غضاضة فى اختراع مسميات لأوطان وأراضى لا توجد بالفعل ، يعطيها لنا على الورق وينص عليها فى الوثائق ، بينما يحتفظ هو بالأرض الحقيقة . * * * وفى سوق المقايضات الدائر الآن ، نجد أكثر من عشرة أقداس مختلفة ، واحدة منهم فقط هى القدس الفعلية والباقى زائف أو ناقص . 1) فهناك اولا القدس الموحدة عاصمة فلسطين التاريخية ، فلسطين من البحر الى النهر . مثلها فى ذلك مثل القاهرة وبغداد ودمشق . * * * 2) وهناك ثانيا المدينة القديمة ، بيت المقدس ، المدينة ذات الاسوار العالية بارتفاع 12 م ، وبأبعادها القصيرة حوالي 700 م × 1300 م ، وبمساحتها الصغيرة التي لا تتعدى 0,9 كم2 . و بأبوابها السبعة المشهورة. • والتى تعتبر هى المشترك بين كل الأقداس الافتراضية والزائفة الأخرى ، وهى المفتاح لفهم الخرائط الجغرافية والسياسية ومشروعات التسوية ومخططات الاستيطان اليهودية ، وأعمال التهويد الجارية . • وهى بؤرة الصراع ومحوره ، ومانحة أختام الشرعيات الدينية والتاريخية والقومية ، الحقيقى منها والباطل . • وهى تقع على الحدود بين الضفة الغربية و باقى ارض فلسطين المسماة (باسرائيل) ، على حدود القدسالغربية شرق الخط الاخضر ( خط الهدنة عام 1949 ) . و تبعد عن الاردن شرقا 23 كم وعن البحر الابيض غربا 54 كم • وتعدادها الحالي حوالى 32 الف نسمة ، 90 % منهم عرب . تنقسم الى أربعة أحياء رئيسية : الحى الاسلامى والحى المسيحى وحارة الشرف المسماة بحارة اليهود وحارة الارمن . • وتحتوى على المسجد الاقصى و على كنيسة القيامة وطريق الآلام ومئات من المعالم الاسلامية والمسيحية . • وتشكل الاوقاف الاسلامية 43,7% من مساحتها ، وتشكل املاك المسيحيين والكنائس والاوقاف المسيحية 45,3 % منها • وهى قدس الاسراء والمعراج ، وقدس العهدة العمرية ، وقدس صلاح الدين الايوبى . • ومع ذلك فهى لا تمثل الا جزءا صغيرا جدا من وطننا المغتصب . * * * 3) وهناك ثالثا المقدسات ، فالبعض لا يرى في القدس إلا المقدسات فقط ، فيكتفى بمتابعة الأخطار التى تهدد المسجد الأقصى ، أو أى مقدسات إسلامية أخرى ، ولا ينشغل بغيرها . • والمسجد الأقصى كما نعلم يقع فى الجزء الجنوبي الشرقي للمدينة القديمة ، وتبلغ مساحته سدس مساحة المدينة تقريبا ، بما يوازى 144 ألف م2 . • يقع فى الجنوب منه المسجد القبلى • وفى الشمال يقع مسجد قبة الصخرة • أما حائط البراق فيحتل 50 مترا طوليا فى النصف الجنوبى الخارجى من الحائط الغربى ، وهو الحائط الذى ينازعنا فيه الصهاينة منذ بدايات القرن العشرين على انه حائط المبكى ، وقامت من اجله اول ثورة عربية عام 1929 ، اعدم فيها الشهداء الثلاثة : عطا الوزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي فى سجن عكا في 17 يونيو 1930. • والعدوان الصهيونى على المقدسات الإسلامية قائم على قدم وساق ، من أول العمل على هدم المسجد الاقصى من أجل بناء هيكل سليمان المزعوم بدلا منه . وذلك من خلال حفر الانفاق تحته بحجة اجراء اعمال تنقيب على آثار يهودية وهمية . وهو ما بدأ يسفر بالفعل عن وجود تشققات فى عدد من حوائط المسجد القبلى . • و مرورا ببناء كنس يهودية على انقاض مساجد اسلامية ، مثلما حدث فى مارس 2010 من بناء كنيس الخراب على انقاض مسجد اثرى قديم . • وكذلك منع المصلين الذين تقل اعمارهم عن خمسين عاما من الصلاة بالمسجد الاقصى . • وإقامة عشرات الحواجز الأمنية لمنعهم من الوصول الى المسجد ، ومطاردة واعتقال من يرفض منهم الالتزام بالتعليمات الصهيونية . • والإمعان فى الإذلال اليومي للمواطنين العرب والمصلين ، والوقوف بالأسلحة الآلية والبيادات الحربية حول الجموع أثناء تأدية فرائض الصلاة . • والتحرش الدائم بالمسجد من خلال حملات من الاقتحام المنظم والمنهجي من قبل اليهود لساحات المسجد ، بغرض اقتسامه فى المستقبل ، والاستيلاء على جزء منه مثلما حدث مع المسجد الابراهيمى . • وفتحه بالإكراه للسياح الأجانب شبه العراة يتجولون فيه بلا ضوابط و لا حياء . • كل هذا يحدث هناك ، وغيره الكثير . • إن حدث مثل هذا معنا ، فى أى زاوية صغيرة ، لثرنا وأشعلنا الدنيا ، فما بالنا وهو يحدث فى المسجد الأقصى . • كل هذا صحيح ، ولكنه يظل مجرد وجه واحد من أوجه الاغتصاب الصهيوني . * * * 4) وهناك رابعا بلدية القدس تحت الانتداب البريطانى منذ 1922الى 1948، والتى كانت مساحتها قبل قرار التقسيم 20,2كم2، و كانت تضم داخلها المدينة القديمة. * * * 5) وهناك خامسا القدسالغربية التى اغتصبها الصهاينة عام 1948 وهودوها تهويدا كاملا ، والتى بلغت مساحتها 85 % من مساحة القدس قبل الحرب ، والتى أعلنوها فورا عاصمة لدولة (إسرائيل) الوليدة ، بالمخالفة لقرار الأممالمتحدة القاضي بوضع القدس تحت إشراف دولى . • وقد زرعت بذرتها الأولى بعد الانتداب البريطانى مباشرة ، عندما استقرت الهجرات اليهودية الوافدة غرب أسوار المدينة القديمة . والتى وصل عدد عددهم فيها قبل 1948 الى 99400 يهودى . • وبعد الحرب مباشرة ، قام الصهاينة بطرد ما يقرب من 60 ألف عربى منها ، بحيث لم يتعدى عددهم فيها بعد الحرب 3000 نسمة ، ثم 5000 نسمة عام 1967 . • وتبلغ مساحتها الآن ما يقرب من 50 كم2، ويقطنها الآن حوالى 300 الف نسمة ، اكثر من 95 % منهم يهود . • و هى لا تتضمن المدينة القديمة . ( يتبع ) * * * * * [email protected]