بعد حادثة خطف الجنود المصريين في سيناء تعرض ويتعرض الفلسطينيون بشكل عام وحماس بشكل خاص لوصلات من "الردح" على الفضائيات أو في بعض الصحف يذكرنا بما حدث، في النصف الثاني من سبعينيّات القرن المنصرم، في مقالات أنيس منصور رحمه الله وغفر له. وبعد مرور خمسين عامًا تغيرت الأحوال وتبدلت الأحوال السياسية، فالآن تحكم جماعة الإخوان المسلمين قطاع غزة، بالانتخاب ثم بالانقلاب على عناصر دحلان ورفاقه، كما تحكم الحركة مصر بالانتخاب وبالانقلاب التدريجي على الدولة العميقة. وفي غزة ومصر يتحدثون محذّرين من "أخونة" الحياة الفلسطينية في غزة، ومن "أخونة" الدولة في مصر. بالوقائع والبيّنات تحدّث أحمد شفيق عن دور "حماس" في دعم الدكتور محمد مرسي الإخواني بمصر، كأنه يُذكرنا بقصة الذيل والرأس "هل الذيل يُحرّك الرأس"؟ مصر أمة دولة كبيرة كما ليست هكذا أية دولة عربية، ومن ثم فإن مشكلة جماعة الإخوان المسلمين في مصر هي "منطق الدعوة" و"منطق الدولة"، ومصر الدولة عمادها: الجيش الوطني والقضاء المستقل. منطق الجيش هو أمن مصر، وأمنها التاريخي يبدأ من سيناء، ومنطق القضاء هو القانون. وهذا وذاك المنطق في صدام مع منطق الدعوة والحركة الحاكمة و"الأخونة". لكن، فيما يخص العلاقة بين إخوان غزة وإخوان مصر، فهناك بداية نزاع وشقاق بين "منطق الدعوة الإسلامية" و"منطق الدولة المصرية". الرئاسة المصرية تميل إلى منطق الدعوة، والجيش يميل إلى منطق أمن الدولة. خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، بعد فوز "حماس" وسيطرتها على غزة، فإن مصر غلّبت منطق الدولة وكانت مصر في خصام مع حركة الإخوان المسلمين في مصر. نجحت مؤسسة الجيش المصري في النأي بنفسها عن الانحياز إلى "حماية النظام"، ولكن ليس عن حماية أمن مصر الذي تراه أنه يبدأ من سيناء، التي صارت أرضاً سائبة، أولاً بحكم معاهدة السلام مع إسرائيل، ثم تفاعلات وتداعيات العلاقة بين إخوان غزة وإخوان مصر "منطق الدعوة" الذي رآه الجيش، وقسم متزايد من شعب مصر يهدّد "منطق الدولة" وأمن مصر. هذا يعني أن دور مصر في المصالحة الفلسطينية لن يكون نشيطاً كما كان في عهد مبارك، مع أنه كان غير مثمر، لأن مؤسسة الجيش والمخابرات.. وعمر سليمان رحمه الله لم تُقدِّم ولم تُؤخِّر. إن منطق الدولة المصرية هو مع دعم السلطة الفلسطينية، ومنطق "الدعوة" الإخوانية هو العلاقة مع إخوان غزة، والجيش يميل إلى منطق أمن مصر الدولة، حتى لو كانت إجراءات تأمين سيناء قاسية على أهل غزة دون تمييز، بعد إغلاق المعابر من جانب "تمرُّد" رجال الشرطة والجيش بعد حادث خطف بعض المجندين المصريين. سيتغلب منطق الدولة على منطق الدعوة التي كان، وما زال يتبناها الإخوان مع حماس قبل وبعد الثورة لأن رهان الدعوة قد ينقلب إلى ما لا يحمد عقباه في وقت لا يتحمل فيه الجسد مزيداً من المتاعب التي قد تأتيه من الحليف، ولكن إذا حدث مزج بين المنطقين، منطق الدعوة والدولة وانصهرا في بوتقة واحدة دون تعارض للمصالح، سيتيح للجسد وأطرافه أن يعيشوا حياة طبيعية.