مع تقديرنا لفضيلة الشيخ محمد عبد المقصود إلا أن التوفيق قد خانه عندما دعا على من ينوون الخروج يوم 30 يوينه للتظاهر ضد الرئيس محمد مرسي، كما تجاوز عندما وصفهم بالكافرين والمنافقين. أقول ذلك وأنا لست مع من ينادون بإسقاط الرئيس المنتخب خارج الصندوق، لكني مع حقهم في التظاهر السلمي، وأشدد على السلمية وليس العنف، ورفع شعارات ومطالب مقبولة. حاولت أن ألتمس العذر للشيخ عبد المقصود فيما ورد على لسانه، وقلت إنه ربما بسبب اعتياده على الخطابة وإلقاء الدروس الدينية في المساجد والفضائيات وفي غيرهما فإن مثل هذه الأدعية الثابتة المحفوظة عن ظهر قلب يرددها في نهاية كل خطبة أو درس بشكل تقليدي، وهذا أيضًا دأب خطباء الجمعة في المساجد حيث يستهلون ويختمون خطبهم بأدعية لا تتغير. لكني صراحة لم اقتنع بهذا العذر للشيخ لأنه ليس شخصًا عاديًا، ولا داعية عاديًا لا يدري ما يقول، إنما هو له وزنه الديني والسياسي، وبالتالي فكل كلمة ينطق بها، وكل سلوك يأتي به يكون محسوبًا عليه خصوصًا عندما يخاطب الشعب المصري والعالم عبر مؤتمر سياسي وليس دينيًا وفي ظل ظروف حساسة وساخنة ومحتقنة تمر بها البلاد التي تعيش أجواء تحريض وتعبئة تهدد بتحويل 30 يوينه إلى محرقة يكون وقودها مصريون سواء من المعارضين أو المؤيدين أو المواطنين العاديين الذين سيخرجون مع هذا الطرف أو ذاك للتعبير عن وجهة نظرهم. الشيخ عبد المقصود لا يمارس الدعوة فقط، إنما ينخرط في العمل السياسي وله مواقف واضحة، وما دعاؤه على المعارضين إلا تأكيد لانحيازه للرئيس مرسي وجماعة الإخوان وهذا حقه، لكن ليس من حقه دمغ المعارضين بالنفاق والكفر، فهذه تهم خطيرة وعظيمة، والله وحده هو من يحاسب عباده، وهو من يحدد الكافر من المؤمن، والمنافق من غير المنافق، ومثل هذا الدعاء يكرس تقسيم المصريين إلى فريقين، فريق الإيمان، وفريق الكفر والعياذ بالله. لا يلام عبد المقصود على انحيازاته السياسية، لكن دعاءه كان صادمًا، فالذين سيخرجون يوم 30 يونيه هم مصريون مسلمون ومسيحيون، وفي العمل السياسي وفي مثل تلك اللحظات الحرجة هناك مخاطر كبيرة من إقحام الدين بشكل فج في شأن سياسي يقبل الاختلاف وتعارض الآراء، وهناك إسلاميون أيدوا مرسي سيكونون من بين المتظاهرين ضده في هذا اليوم مثل حزب "مصر القوية" الذي يرأسه الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، وهو كادر إسلامي بارز، وقيادي سابق بجماعة الإخوان التي ينتمي إليها الرئيس نفسه، فهل يكون أبو الفتوح ومن على شاكلته منافقين وكفارًا أيضًا. يصعب في مثل هذا الصراع السياسي أن نقول إن من يقفون مع الرئيس هم مسلمون، وأن من يدعمون المعارضة هم كافرون منافقون، فلا مجال هنا لمثل هذا التقسيم الديني في قضية دنيوية بحتة لا علاقة لها بالإيمان والكفر، إنما أساسها المصلحة العامة التي يراها كل طرف من زاويته الخاصة. نحتاج في هذه المرحلة الدقيقة لمن يقول كلمة طيبة، ولمن يوحد الصفوف، ولمن يجمع الفرقاء، ولمن يقرب بين المتخاصمين، لأن مصر وطن يستظل به الجميع، ولن يفارقه المسلم أو المسيحي، ولا الإسلامي أو الليبرالي، ولا اليميني أو اليساري حيث سيبقى الكل يعيش فيه شاؤوا أم أبوا، وبالتالي علينا الحفاظ على هذا الوطن بكل تنوعه، والحفاظ على المشتركات التي تجعلنا نتعايش في محبة وسلام ووئام، وليس في صراعات وكراهيات وأحقاد كما هو حاصل الآن. بعض دول الخليج التي توصف بأنها ذات نهج وهابي متشدد لم يعد دعاتها وخطباؤها يدعون على النصارى في المساجد فكيف يدعو الشيخ عبد المقصود في مصر التي توصف بأنها بلد التسامح والاعتدال على مسلمين موحدين مثله بأنهم كفار. أناشد الشيخ عبد المقصود أن يتراجع عما قاله باعتبارها زلة لسان غير مقصودة، فالعودة للحق فضيلة. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.