* طلب الابن من أبيه الحاكم أن يوصى بولاية العهد له بدلا من أخيه الأكبر .. فسأله الحاكم الأب : وهل أنت اقدر من أخيك على تولى الحكم ؟ قال الابن : بلى وأنت تعرفني يا والدي .. فقال الحاكم الأب : إذن عليك ان تجتاز اختبارا واحدا .. إن اجتزته بنجاح أعدك بأنك ستكون وريثي في الحكم .. قال الابن : مرني يا أبى وبإذن الله سأجتازه .. فطلب الأب من ابنه أن يحضر له قفصا وبه عدد كبير من الدجاج ..ففعل الابن .. فقال الأب : اخرج الدجاج من القفص ، ثم عليك إعادته إلى القفص مرة أخرى .. ففتح الابن باب القفص وسمح للدجاج أن يخرج وبدأ يركض ويهرول وراء كل دجاجة محاولا الإمساك بها وإعادتها للقفص .. تقطعت أنفاسه وتصبب عرقا أثناء محاولاته التي فشلت فشلا ذريعا في الإمساك بواحدة من تلك الدجاجات .. وكاد أن يبكى بعد أن فر كل الدجاج من أمامه منتشرا في أرجاء القصر وحديقته وأفلت من قبضته وأصبح خارج نطاق السيطرة ، ضحك الحاكم من ابنه وقال : ها أنت تفشل في اجتياز الاختبار يا ولدى ، ولكنى سأعلمك درسا ينفعك ، فأحضر الأب قفصا أخر مليء بالدجاج وفى يده مطرقة ، وفتح باب القفص وكلما همت دجاجة بالخروج منه ناولها بضربة بالمطرقة على رأسها لتسقط مغشيا عليها ، وهكذا فعل الأب في كل الدجاج حتى تمكن من السيطرة على الجميع ، ومن ثم استطاع بكل سهولة أن يجمع الدجاج ليعيده إلى القفص مرة أخرى بكل سهولة ويسر !! * سياسة الضرب بالمطرقة على أم رأس الشعوب هي سياسة نبعت من كون الحاكم بتكوينه النفسي يميل إلى الاستبداد وفرض الهيمنة والسيطرة على الآخرين ، وتزداد تلك النزعة الاستبدادية بداخله كلما نجح المستبد في فرض هيمنته على الآخرين ، وهذا يعنى انه كلما طبقت سياسة الاستبداد والقهر وأفرزت نتائج ملموسة لصالح المستبد كلما زاد المستبد صلفا وغرورا وتماديا واستمرارا ، وليس هناك لا أجمل ولا أروع من كتاب الاصلاحى عبد الرحمن الكواكبي ( طبائع الاستبداد ) الذي وصف فيه الاستبداد بأنه الأخطر على الناس لأنه سبب الانحطاط التاريخي للمسلمين ، وأكد على أن استبداد الحكومات هي التي تتحكم في حياة الفرد وسائر نشاطه ، وقال ( إن على الرعية العاقلة أن تقيد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها لتأمن من بطشه ، فان شمخ هزت به الزمام وان صال ربطته ) ويقول الكواكبي في وصف المستبد ( المستبد يتحكم في شئون الناس بإرادته لا بإرادتهم – والمستبد عدو للحق وعدو للحرية وقاتلها – ويود أن تكون رعيته بقراً تحلب وكلاباً تتذلل وتتملق – والمستبد يخاف رعيته كما تخافه رعيته ووصف الحكومة المستبدة بأنها سبب في اختلال نظام الثورة ، فهي تجعل رجال السياسة والدين ومن يلحق بهم يتمتعون بحظ عظيم من مال الدولة ، الحكومة المستبدة تغدق على صنائعها ، ومن يعينها على طغيانها . وتيسر للسفلة طرق الغنى بالسرقة والتعدي على الحقوق العامة. – والاستبداد يفسد الأخلاق ، ويفسد العقول ، ويعطل الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . والاستبداد يفقد الناس ثقة بعضهم البعض ، والاستبداد يحول بين الناس وبين التعاون على الخير ، والاستبداد يفسد التربية والتعليم ، لأن التربية الصحية لا تكون في ظل الاستبداد ) كما يقول (الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان والتي تتصرف في شئون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب ) ويضيف ( إن المستبدين من السياسيين يبنون استبدادهم على أساس من هذا القبيل أيضا لأنهم يسترهبون الناس بالتعالي الشخصي والتشامخ الحسي ، ويذللونهم بالقهر والقوة وسلب الأموال حتى يجعلوهم خاضعين لهم عاملين لأجلهم كأنما خلقوا من جملة الأنعام نصيبهم من الحياة ما يقتضيه حفظ النوع فقط ) فهل عاش الكواكبي زماننا ليصف كل مافيه ؟ أم أن وجه الاستبداد واحد في كل زمان ومكان ؟ وهل تركت الحكومة المصرية مسألة حفظ النوع دون تدخل سافر منها ؟ أم أنها تدخلت وبشكل لا يليق بشعب كان عنوان كل انجاز حضاري في العالم ؟!! * عندما تقرأ وصف الكواكبي للحكومات المستبدة وعندما تقرأ التقرير الثالث للجنة الشفافية والنزاهة، التابعة لوزارة التنمية الإدارية الصادر منذ أيام قليلة والذي يقول : ( أن الجهاز الإداري للدولة يفرز كل عام ما يزيد على 70 ألف قضية فساد مختلفة تحفظ منها 40 ألفاً ويحكم في أقل من ألفين، وهو ما يثبت شيوع الإهمال والفساد الإداري وانتشار الرشوة، مشيرا إلى أن حافزها الأساسي قصور المساءلة وغياب الحساب وتضارب الاختصاصات ..) وتربط بينهما تدرك العلاقة القوية بين الاستبداد وبين الفساد وانتشاره ليتحول إلى ظاهرة في المجتمع المصري أو في اى مجتمع أخر . * وعندما يقترح التقرير سن تشريع قانوني لتوفير الحماية للمبلغين والشهود عن المخالفات والجرائم ، خاصة جرائم الفساد والرشوة واستغلال النفوذ على المستوى الداخلي، وجرائم الإرهاب وغسل الأموال على المستوى الدولي ويساعد السلطات العامة في التوصل إلى الجناة ، تدرك انه من الغباء أن نبحث عن قوانين تحمى الشرفاء في دولة لا يحترم فيها قانون ولا يطبق إلا ماندر وعلى بعض الحالات التي تعد على أصابع اليد كما في التقرير ، وعندما تطالب نظام مستبد لا ينمو ولا يترعرع ولا يتنفس إلا في ظل بيئة فاسدة بالتزام القانون ، وهو العدو الأول لهؤلاء الخارجون عن منظومته الفاسدة ...فأي قانون هذا الذي سيحترمه مستبد ؟ واى قانون هذا الذي سيطبق على الجميع في ظل دولة لا يطبق فيها القانون إلا على الضعفاء فقط ؟ واى قانون هذا الذي سيكون له كل السيادة والاحترام في بلد تحول فيه الفساد إلى ظاهرة وإخطبوط له ألف ذراع وأخطرها الرشى والمحسوبية وشراء الذمم والضمائر ؟ كل قوانين الأرض لا تردع هؤلاء الفاسدون وكل قوانين الأرض التي تستثنى المستبدون والفاسدون والمرتشون لا قيمة لها ، إن أردنا اجتثاث الفساد فالحل هو التخلص من الاستبداد ومنظومته المتوغلة كالوحش الكاسر في كل مناحي الحياة ، علينا حل المشكلة من جذورها لا التشبث بفروعها . * لابد للدجاج أن يعي انه بنظر المستبد لا يعدو كونه مجرد دجاج عليه أن يدخل الحظيرة شاء أم أبى ، إلا إذا تحول هذا الدجاج إلى نمر شرس له مخالب تتصدى لوحوش الاستبداد ، وأما إذا ارتضى الدجاج أن يظل دجاجا فحق على المستبد أن يستمر في استبداده ..ولا لوم عليه !! * هناك فساد..؟ نعم .. هناك انحطاط اخلاقى وقيمى و تراجع وتدنى على كل المستويات ؟ نعم .. ولكن ..هل أقلام العالم التي تسعى لفضح رموز الفساد قادرة على التصدي وحدها لهذا الفساد وهذا الاستبداد ؟ الفساد لم يعد كلمة تطلق فقط على ناهبي المال العام ، ولا على تجار الدم الفاسد والأعضاء البشرية ، ولا على تجار المخدرات والسموم التي يتجرعها شباب ضائع يعانى من غياب الرمز والقدوة ، ولا على سراق الأصوات ومزوري الانتخابات لنهب مقعد تحت مظلة السلطة ، ولا على مرتشيين باتوا وجوها مجبر على التعامل معها كلما دفعتك الحاجة لإنهاء معاملة أو مصلحة داخل المؤسسات الحكومية أو في اى مكان أخر ، ولا هي كلمة تطلق فقط على معلم منع علمه وحرم طلابه منه داخل المدارس ليجبرهم على اللجوء إليه مجبرين لشراء هذا العلم في حلقة درس خصوصي ، الفساد بات كالسرطان يقتحم جسدك ، في طعامك وفى شرابك ، إما عن طريق لحوم فاسدة مليئة بالديدان أو قمح فاسد غير صالح للاستعمال الادمى يصنع منه خبزك أو في خضروات ارتوت بمياه أسنة من مياه المجارى ، وكأن هذا الشعب مجرد حيوانات أو بهائم تلقى إليها فضلات العالم وقاذوراته .. فأي قوانين تلك القادرة على حماية أرواح الناس ؟ واى سياسة تلك القادرة على الإصلاح والتغيير إذا كان الفاسدون يتسترون بمظلة الاستبداد ؟ وكل القوانين لم تردع من فقدوا ضمائرهم وخانوا بلدهم وشعبهم . * إنها النهاية والطامة الكبرى حينما نجد الموت يأتيك يطرق بابك وأنت مجبر على استقباله لا حول لك ولا قوة ، ومجبر على تجرع كؤوس الموت بألوانها المتعددة أنت وأطفالك .. فالفساد لم يعد بعيدا عن جسدك وجسد جيل بأكمله كما كان في الماضي منحصرا في سرقة أموال الدولة ، بل اليوم بات الفساد يستهدف حياة الناس وأرواحهم ، وكل قوانين الأرض لم ولن تقتص من هؤلاء القتلة الذين تربعوا على تلال جثث موتاهم .. وأعطيكم مثالا بسيط على ذلك : وزير الزراعة الأسبق يوسف والى الذي اتهم بإغراق البلاد بالمبيدات المسرطنة أين هو الآن ؟ وأين هم الشرفاء الذين كشفوا جريمته بحق كل المصريين وبحق الزراعة في مصر ؟ فأما عن إجابة السؤال الأول فانا وأنت نعرف أين هو يوسف والى الذي يعيش حرا طليقا ، وأما عن إجابة السؤال الثاني فهم حوكموا وسجنوا ومن ثم كتبت عليهم الدولة أن يجلسوا في بيوتهم بلا عمل بعد أن أغلقت جريدتهم عام 2000م ( صحيفة الشعب ) وضيقت عليهم الخناق ، وعلى الرغم من نجاحهم في الحصول على أحكام قضائية بإعادة الإصدار إلا أن الحكومة المصرية مازالت تماطل في التنفيذ وتقدم الطعون عليه لإيقافه، وهو ما استدعى الصحفيون الشرفاء للقيام بالعديد من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات تارة أمام المجلس الأعلى للصحافة وتارة أمام مجلس الشورى وتارة أخرى أمام نقابة الصحفيين، ليس فقط للمطالبة بحقوقهم المالية لكن بحقهم الأدبي بتمكينهم من ممارسة المهنة مرة أخرى وكأنهم يستجدون حقوقهم ، إلا أن الموقف المتصلب والمتعسف للحكومة المصرية حال دون ذلك حتى اليوم، فهل القانون أو القضاء كان له اعتبار عند هؤلاء المستبدون ؟ * أتذكر أقوال جيفارا المأثورة ( أنا لست محررا ، والمحررين لا وجود لهم ، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها ) و قوله ( إن الطريق مظلم وحالك ، فإذا لم تخترق أنت وأنا فمن سينير الطريق ؟ ) و ( الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء ) كلمات وان دلت فهي تدل على أن الشعوب وحدها هي الطرف القادر على استعادة حريتها وكرامتها وثرواتها ، فلا يعقل أن تركن الشعوب بانتظار من يخلصها من جلاديها ، ولا يعقل أن نسمع ونقرأ عن انتهاكات هنا أو هناك ونكتفي بالصمت ولسان حالنا عاجز عن الجهر بكلمة حق في وجه ظالم ... ولا يعقل أن نترك المطرقة في يد رموز الفساد والاستبداد تنهال على رؤوسنا كلما حاولنا الخروج من سجوننا التي أنشأها لنا المستبد ... فلن يكون لدينا ما نحيا من اجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من اجله .