من ينظر إلى صورة الفتاة الداغستانية الشابة جنات عبد الرحمن يستغرب أن تقوم صاحبة هذه الطلة الهادئة والوجه الملائكي ، بنت السبعة عشر عاما ، بتفجير جسدها المزنر بعشرات الكيلووات من المتفجرات في قلب العاصمة الروسية موسكو ، وتختار بعناية أكبر محطات مترو الأنفاق ازدحاما وأهم أوقاتها أيضا ، أي أن عقلها ووعيها كان حاضرا تماما وهي تقبل على الموت دون أن ترتعد فرائصها أو تتردد أو تتراجع ، أي غضب رهيب وكراهية عميقة تلك التي أشعلت ضمير هذه الفتاة الجميلة وجعلها تقدم على هذا السلوك المروع ، وتكره الحياة وما فيها، من الطبيعي بداية أن أؤكد على رفضي الكامل لمثل هذه العمليات التي يذهب ضحيتها المدنيون الأبرياء دون ذنب اقترفوه أو جريمة ، وقناعتي دائما أن القتال في ساحات القتال ، وأن استهداف المدنيين عمل غير مقبول أيا كان فاعله ، ولكن هذا وجه واحد في اللوحة الدموية التي تشهدها روسيا والشيشان وداغستان ومناطق أخرى من القوقاز المسلم ، ولن نفهم شيئا أو نحل شيئا أو ندفع شرا إذا كنا سنقف عند جانب من الصورة ونتجاهل عمدا الجوانب الأخرى ، وبمعنى آخر ، سنكون ظالمين ومضللين إذا تحدثنا عن إجرام في جانب وتجاهلنا المجرم الأصلي الذي أشعل نيران الكراهية والغضب وحرق قلوب الأمهات والزوجات والأطفال على آبائهم وأزواجهم وأبنائهم ، لا يمكن أن ننسى الجرائم التي ارتكبها شخص دموي وشديد الوحشية مثل الرئيس الروسي السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين ضد المدنيين الأبرياء في الشيشان والداغستان ، ولا يمكن أن ننسى أنه أمر بتدمير مستشفى ومدرسة بالكامل على رؤوس من فيها من النساء والأطفال وغيرهم لمجرد أن يثبت أنه حاكم قوي وأنه لا يأبه بالمقاتلين الشيشان أو الداغستانيين ، ولا يمكن أن ننسى العمليات القذرة التي أمر بها بوتين وطالت قيادات إسلامية معارضة في بلاد القوقاز أو تلك التي فرت من بلادها بحثا عن الأمن والأمان ، فأرسل من يصفيها قتلا وتنكيلا في لندن ودبي وغيرها ، لا يمكن أن ننسى أن هناك شعبا بالملايين مستباح الحقوق ويتم التعامل مع قضيته بكل استهتار وتجاهل من المجتمع الدولي شراءا لخاطر "بوتين" الدموي ، بينما ينتفض نفس هذا الغرب المنافق من أجل حقوق الشواذ جنسيا في عواصم عربية أو من أجل بضعة مئات من البهائيين ، ويدعم بالسلاح والمال والمؤسسات الدولية قوى معارضة مسلحة هامشية تعلن عن طموحات انفصالية دموية في مناطق عدة من العالم العربي والإسلامي ، هذه الازدواجية في المعايير تجعل من المنطقي وغير المفاجئ أن يدفع العالم ثمنها ، حتى مع إدانتنا لردود الفعل ووصفها بأنها أعمال غير أخلاقية ، وهي كذلك فعلا ، ولكن هل كان الفعل الأصلي وهو مفجرها ومولدها الأساس عملا أخلاقيا ، هل الأخلاق هي ما يلزم المستضعفين فقط ، وعندما يغضب المستباحون ويمارسون الجنون نقول : اذبحوهم ، ونستأسد عليهم ، بينما نربت على كتف "القاتل الأصلي" ومشعل النيران الأساس ، ولا نأخذ على يديه ، ولا نعطي أي وجه أخلاقي أو إنساني لمحنة هؤلاء الملايين ، جنات عبد الرحمن قتلوا زوجها ورملوها وهي ابنة السابعة عشرة ، ومن يدري ربما قتلوا أباها أيضا وشردوا أسرتها ونكلوا بأقاربها ورأت بعينها من الأهوال والدماء والبشاعة ما جعل الدنيا كلها تظلم في عينها ولا ترى إلا الثأر والانتقام والنكاية فيمن فعلوا في أهلها وقومها كل هذه الجرائم ، وترى أن الدنيا كلها لم تعد لها معنى وأن الحياة لا قيمة لها وأن الموت أكرم لها وأشفى لصدرها ، لقد تمطع الرئيس الروسي الحالي " ديمتري ميدفيديف" وهو "التيس المستعار المحلل" الذي أتى به بوتين كزوج محلل لكي يحق له العودة دستوريا للرئاسة بعد سنوات ، وأنذر وتوعد بإجراءات وصفها بأنها "قاسية وعنيفة ومانعة" لردع الإرهاب ، ونسي أنهم فعلوا كل ما هو قاسي وعنيف بل وبشع من قبل ، فكان هذا هو الحصاد ، رحم الله جنات عبد الرحمن ، ورحم الله شعب الداغستان من الإرهاب الروسي وزعاماته الدموية وخالص العزاء للأسر الروسية المنكوبة بضحاياها الأبرياء ، ضحايا امبراطورها الدموي الجديد . [email protected]