في أول ظهور له في قناة غير مصرية وفي برنامج واجه الصحافة الذي يقدمه الصحفي السعودي داود الشريان بقناة العربية، استطاع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن يقدم صورة مختلفة تماما عن هذه المنارة الاسلامية العملاقة، تخالف ما عرفناه عنها طوال العقدين الماضيين. جاءت لغة خطابه متناسبة تماما مع وضعه العلمي واطلاعه العميق على أحوال العالم السياسية والدينية، لم تخنه إجابة أي سؤال مهما كان حساسا، رأيناه قاطعا غير متردد في كل القضايا التي تناولها، حتى فيما يخص مسأله عضويته للمكتب السياسي للحزب الوطني. لكن الأهم هو تناوله لقراره بقبول الطلبة الشيعة – ومنهم الإيرانيون – للدراسة في الأزهر، الذي قوبل بالتحفظ من بعض علمائه، وبالرفض المنتقد من آخرين. لم يتوان الشيخ الطيب لحظة واحدة عن اعلان رفضه الحازم والحاسم لتحول الأزهر إلى بؤرة شيعية، أو أن يقوم الطلاب الشيعة بتكوين خلايا لتشييع الطلاب السنة، وقال إننا سنكون على حذر، وهناك اتفاق على ذلك مع كبار علماء الشيعة الإيرانيين، فمثلما لا تسمح ايران بنشر المذهب السني في بلادها، لن نسمح نحن بنشر المذهب الشيعي في مصر أو في أي بلد إسلامي يغلب عليه أهل السنة. كلام قوي جدا من رأس المؤسسة الدينية المصرية أغضب بعض أهل الشيعة، الذين سارعوا بانتقاده واعتبروه طائفيا، بل حاولوا الالتفاف على رؤيته الواضحة، باستدعاء شعار مقاومة الصهيونية، ليطالبوه به بدلا من إعلانه مقاومة التشيع! الطائفية هي غزو مذهب إسلامي في عقر داره، وتهديد الاستقرار الاجتماعي والأمني لمجتمعات بتشييعها، وقد اشتكي منه مر الشكوى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، الزيدي المذهب، بعد أن وضعت ايران امكانيات ضخمة جدا لتحويل الزيديين والشافعية – كما قال صالح - إلى شيعة إمامية، مقدمة السلاح والمال والرجال للحوثيين الذين أشعلوا حربا أهلية لم تكتف باليمن بل امتدت إلى حدود السعودية. الأزهر لن يكون أبدا بوابتهم الجديدة لغزو دولة إسلامية كبرى كمصر ينطلقون منها لأفريقيا ودول المغرب الغربي الذين حاولوا بالفعل في إحداها وهي المغرب ونجحوا في تشييع أعداد ليست بالقليلة واستقدام بعضهم إلى قم لينال دراسات وتدريبات يعود بعدها لتكوين خلايا شيعية واسعة، وقد أعلن السلطات المغربية ذلك في بيان رسمي العام الماضي. غضب الشيعة من تصريحات شيخ الأزهر غير مبررة على الاطلاق وتدعو للريبة، فماذا يطمحون أكثر من عودة طلابهم للدراسة سواء من الدول العربية أو من إيران ليتعرفوا على المذهب السني.. هل حرية الاعتقاد التي يطالبونه بها أن يسمح لهم بنشر التشيع من خلال هذا المعهد العلمي؟!.. أليست طائفية عندما يردون عليه بأن الأزهر من حقهم تاريخيا لأن الفاطميين هم من أسسه! لم يتوقعوا أنهم سيكونون في مواجهة إمام متمكن من علمه وقارئ ممتاز للسياسة وفاهم لملعبها.. قال الطيب لقناة العربية إنه أستاذ للمنطق، وهذا يعني أن الرجل يدرك ما يقوله جيدا. كنا نحتاج بشدة لشيخ للأزهر يعيده لحدوده الدولية ولمكانته الإسلامية، ولعل شيخه الجديد يحقق لنا هذا الاحتياج. وها هي أول تصريحاته خارج مصر ترسل أمطارها الغزيرة.