كان جنرالاً مهملاً أو متجاهلاً، ثم أُرسل لقيادة الجيش الفرنسي في حملة إيطاليا، وعندها واجه جنرالات فظِّين وأقوياءَ ومستعدين لسحق هذا الدخيل الشاب الذي أرسلته القيادة لتولي أمورهم، ولكن منذ اللحظة الأولى واللقاء الأول، ومن دون أن ينطق بكلمة واحدة، أو يقوم بأي حركة أو تهديد، باختصار منذ اللحظة الأولى سقطوا هم تحت سحر هيبته. كان يوجد بين جنرالات الفرقة العسكرية جنرال اسمه «أوغيرو»، وهو مرتزق كبير وفخور بقامته العالية وشجاعته. وقد وصل الجنرالات إلى المقر العام للقيادة بنفسية غير راضية عن هذا الانتهازي القصير الذي أُرسل إليهم من باريس ليقودهم. وحسب الوصف الذي كان بلغهم عن القائد الجديد أنه أحد الجنرالات الذين خاضوا معارك منطقة الفاندي غرب فرنسا، وأنه جنرال شوارع ويُنظر إليه كالدُّب؛ لأنه يفكر دائمًا في وحدته، وهو ذو هيئة قصيرة، ومشهور بعقل رياضي وحالم في آن واحد. وحين جاء الجنرالات لمقابلة القائد الجديد تركهم ينتظرون فترة طويلة قبل أن يستقبلهم، ثم ظهر لهم أخيرًا وهو مُزنَّر بسيفه، ثم لبس رداءه، وشرح مواقفه، وأعطاهم الأوامر وصرفهم مباشرة. إنه «نابليون بونابرت». لقد دُهش «أوغيرو» إلى حد أنه بقي صامتًا لا ينبس ببنت شفة، ولم يَصحُ من صدمته إلا بعد أن خرج، وحين عاد إلى طبيعته العادية، اتفق مع «ماسينا» -جنرال آخر - على القول بأن هذا البونابرت الصغير قد أخافه، ولم يفهم سر الرهبة التي سيطرت عليه من أول نظرة. وبعد ذلك لما أصبح «بونابرت» رجلاً عظيمًا، فإن هيبته قد زادت بسبب قوته ومجده، حتى غلا فيه كثيرًا بعض المتشيعين له والأنصار. وقال عنه الجنرال «فاندام» - المرتزق الثوري وهو أكثر فظاظة وقوة من الجنرال «أوغيرو» - للجنرال «دورنانو»: «في يوم من أيام عام 1815 وكانا يصعدان سوية درج قصر التويلري، متحدثًا: «يا عزيزي، إن هذا الشيطان الصغير «نابليون» يمارس علي سحرًا وجاذبية، لا أستطيع أن أفهم سرهما، فأنا الذي لا أخشى أحدًا ولا الشيطان نفسه، يصل بي الأمر إلى الحد الذي أرتجف فيه كطفل عندما أقترب منه، ويستطيع أن يسلكني في ثقب الإبرة، ويرميني في النار دون أن أحرك ساكنا». كان «نابليون بونابرت» قائدًا يمتلك كاريزما طاغية منذ بداية حياته المهنية، قد تبدو الكاريزما من خلال هذه الواقعة سمة يصعب تعريفها، وهي بالفعل كذلك؛ لأنها كما قال الجنرال فاندام «سحر وجاذبية لا يمكن أن نفهم سرهما». والكاريزما في الأصل كلمة إغريقية تعني «الموهبة الإلهية» ويطلقها الكثيرون على الجاذبية الشخصية، واصطلاحًا هي سحر شخصي يتميز به الفرد يثير حماس الناس من حوله ويكون سببًا خاصًا في المحبة والولاء. إن الكنز الأثمن قيمة في العالم الذي يمكن أن يملكه الشخص ليس هو الذهب أو الألماس، ولكنه سحر الشخصية، وأن يكون الشخص ساحرًا، فذلك يعني أن يكون مبهجًا ومحبوبًا، فصاحب الكاريزما عندما يتحدث إلى شخص يبدو الأمر كما لو أنهما معًا بداخل غلاف يعزلهما عن كل من حولهما، فلا يوجد بالنسبة إليه أحد سوى من يحدثه، وعندما ينصت إليه فإنه ينصت وكأن كل كلمة ينطق بها لها شأنها وتستحق منه الانتباه الكامل. وغالبًا ما تفتح الكاريزما أبوابًا يصعب على أي صفة أخرى أن تفتحها، وصاحب الكاريزما عادة ما يشعر الناس تجاهه بشعور ودود ويرغبون في رؤيته والاستماع إليه، وأن يوجدوا بالقرب من محيطه ويدعونه إلى محيطهم الخاص. وأغلب الدراسات العلمية الحديثة أثبتت أن الكاريزما صفة يمكن اكتسابها لدرجة كبيرة، وأنها تعتمد على خلق علاقة متميزة مع الآخرين، أو كما قال أحد الخبراء: «أن تحرص على جعل من حولك أكثر ارتياحًا حيال نفسه من حرصك على أن تجعلهم أكثر ارتياحًا حيالك». وهناك صفات شخصية تعتبر من معوقات الكاريزما، أهمها التكبر على الناس وضعف الثقة بالنفس والمزاج المتقلب وصفة البحث عن الكمال والحساسية المفرطة والسلبية الشخصية. وأهم عناصر الشخصية الكاريزماتية هي: 1 - فهم الآخرين والشعور بما يعتمل في نفوسهم من خلال الإنصات المشبع بالإحساس بالإنسان المقابل والإنصات إلى ما لا يقوله المتحدث. 2 - إظهار الاهتمام بالآخرين، فالناس ينجذبون لمن يشعرهم بأهميتهم ويفكر في مصالحهم واحتياجاتهم ويشاركهم رحلة حياتهم. إن الشخص الذي لا يملك الكاريزما عندما يدخل على مجموعة يقول: «ها أنذا»، وأما صاحب الكاريزما فيقول: «ها أنتم هؤلاء». 3 - القدرة على تحقيق الإنجازات، فصاحب الكاريزما يعشق أن يكون من الفائزين، والناس دومًا يريدون أن يلعبوا مع الفريق الفائز. 4 - مشاركة الآخرين، فصاحب الكاريزما يحرص على إشراك الآخرين معه في كل جديد ومثير يحدث في حياته، كما يحرص على مشاركة الناس في أفراحهم وإنجازاتهم وأحزانهم، فهم يشعرون دائمًا أنه قريب منهم. 5 - بث روح الأمل والقدرة على تشجيع الناس، إن الأمل هو أعظم ما يمكن للإنسان أن يملكه، يقول «نابليون»: «القادة هم زراع الأمل»، ومن ينجح في بث روح الأمل في نفوس الناس وينير لهم الطريق، فإنهم ينجذبون إليه ويشكرون له فعله هذا مدى الحياة. وفي الوقت نفسه، كل إنسان منا يحتاج إلى الدعم المعنوي ويرغب في الشعور بالتشجيع والتأييد لما حققه من إنجازات، وصاحب الكاريزما يركز على أفضل ما عند الآخرين، ويرى أجمل ما فيهم ويتحدث عن الجوانب الإيجابية في شخصياتهم. د. فيصل بن جاسم آل ثاني أكاديمي وكاتب قطري عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. http://twitter.com/AlThani_Faisal