الزيارةُ الأخيرة التي قام بها الرئيس البرازيلي -وهي الأولى لرئيس برازيلي إلى فلسطين والأردن- ولقاؤه مع قادة الكيان الصهيوني والرئيس الفلسطيني والملك الأردني بالسنة الأخيرة من فترة رئاسته الثانية للبرازيل، جاءت لتطرحَ بعض الأسئلة حول النوايا والأسباب التي أدَّت إلى هذه الزيارة بهذا الوقت، وهذه الأسئلة تتمحور حول الموقف المبدئي للرئيس البرازيلي المناصِر والمؤيِّد للحقوق العربية -وعلى رأسها الحقوق الفلسطينية، أم أن المصلحة البرازيلية العليا هي التي تطلبت القيام بهذه الزيارة؟ وهل جاءت هذه الزيارة توافقية بين مواقفه المبدئية وضغط اللوبي الصهيوني المتواصل على هذه الحكومة منذ وصوله إلى الحكم منذ 01/01/2003؟ وهل النفوذ الصهيوني بالبرازيل أقوى من النفوذ العربي؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى إجابات صريحة؛ حتى تكون الأمور واضحة لمعرفة تطورات الموقف البرازيلي بالنسبة للقضية الفلسطينية والقضايا العربية. ضغوط صهيونية على مدار السنوات الماضية ومنذ وصول حزب العمال إلى سدة الحكم بالبرازيل، مارست الحركة الصهيونية والتجمُّعات اليهودية نفوذها للوصول إلى مراكز القرار والعمل على كافة الأصعدة ومع حلفائهم بالبرلمان والحكومة إلى منع اتخاذ قرارات برازيلية مناصِرة للحق العربي والقضية الفلسطينية، فالحركة الصهيونية تعرف المواقف المبدئية لأحزاب اليسار البرازيلية من القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني، وزيارة كل من شمعون بيريز وأفيغدور ليبرمان المتطرف ولقاؤهما الرئيس البرازيلي تأتي بهذا السياق، أما من النواحي الأخرى تمكَّنت الحركة الصهيونية والتجمعات الصهيونية على مدار السنوات السبعة الماضية من ترتيب زيارات لحكام ولايات برازيلية إلى الكيان الصهيوني والتوقيع على اتفاقيات تعاون مع هذا الكيان وتوقيع العديد من الاتفاقيات الأمنية والتكنولوجيا وغيرها، كما تمكَّن الكيان الصهيوني من بيع طائرات بدون طيار إلى بعض الولايات البرازيلية، ومن هذه الاتفاقيات توقيع اتفاقية تسليم الجنائيين المطلوبين للعدالة بهذه الدولة أو تلك. لقد تمكَّنت الحركة الصهيونية والتجمعات اليهودية بالبرازيل من انتزاع موافقة من البرلمان البرازيلي والرئيس البرازيلي لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة لدول أمريكا اللاتينية مع الكيان الصهيوني، كما تمكَّن الكيانُ الصهيوني على صعيد الدولة من عقد العديد من الاتفاقيات بالعديد من المجالات تدر أرباحًا للكيان الصهيوني، كما ارتفعت الاستثمارات الصهيونية بالبرازيل بشكلٍ كبير منذ استلام الحكومة العمالية مقاليد الحكم بالدولة. أما البرازيل -وبظل الحكومة الحالية، ومن منطلق مواقفها المبدئية تجاه حق الشعوب بتقرير مصيرها واستقرار الدول واستقلالها- رأت أن تعزيز العلاقات مع دول العالم الثالث وفتح أسواق هذه الدول أمام المنتجات البرازيلية، يعزِّز من استقرارها واستقلالها ونموّها والتغلب على المشكلات الداخلية الاجتماعية والاقتصادية، وقد تمكَّنت البرازيل من مضاعفة حجم صادراتها إلى الدول العربية ليصل إلى 15 مليار دولار سنويًّا، وقطعت الحكومة البرازيلية مسافةً طويلة بمعالجة الكثير من المشاكل الداخلية، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي للدولة، الذي لم يتأثر نتيجة الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالعالم قبل 18 شهرًا. مناصرة غزة على صعيد المواقف السياسية للحكومة البرازيلية الحالية لا بد من تسجيل الموقفين التاليين لنترك للقارئ الحُكم عليها، حيث الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، رفض زيارة الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 2003 واللقاء مع الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات أثناء حصارِه بالمقاطعة ضمن الشروط الصهيونية التي كان يضعها رئيس وزراء الكيان الصهيوني آرئيل شارون بتلك الفترة، واقتصر لقاؤه مع السيد نبيل شعث وزير التعاون والتخطيط الدولي بالقاهرة، أما الحادثة الثانية وهي أثناء العدوان الصهيوني على قطاع غزة نهاية 2008 وبداية 2009، عندما أصدر حزب العمال البرازيلي بيانًا يُدين العدوان على القطاع ويتهم الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، وقد وقّع البيان رئيس الحزب ومسئول العلاقات الدولية، فما كان من قيادات الحزب المرتبطين بالحكومة على مستوى وزراء ونواب ومجلس شيوخ ورؤساء بلديات سابقين وشخصيات حزبية عمالية من إصدار بيان يرفضون فيه بيان الحزب الصادر حول العدوان على غزة، حيث يساوي البيان بين الضحية والجلاد، ويحمِّل حماس مسئولية العدوان على القطاع. لا أحد يستطيع الشكّ بالموقف البرازيلي للحكومة الحالية برئاسة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا من مناصرته وتأييده للحقوق العربية والحق الفلسطيني، ولكن لا يمكن لأحد أن يطالب هذا الرئيس ليكون عربيًّا أكثر من العرب وأن يكون فلسطينيًّا أكثر من الفلسطينين، فهو يقول لهم ماذا تريدون منا لنقف إلى جانبكم ونناصركم وندعمكم بكل ما لدينا من طاقات وإمكانيات ولنعزّز الصمود العربي لتكونوا بمستوى التحديات؟ ليجد عند العرب والفلسطينين موقفًا تراجعيًّا استسلاميًّا، نريد 22% من فلسطين وإيجاد حلّ عادل لقضية اللاجئين واعترافًا بالكيان الصهيوني، ومقاطعة المنتجات المصنعة بالمستوطنات وغيرها من المواقف التنازلية والتراجعية لهذه القيادات، ليعود الرئيس من فلسطين مطالبًا بهدم الجدار، ومحتجًّا على بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية، وليعلنَ رغبة البرازيل في أن تكون دولةً مشاركة بعملية السلام بالمنطقة بين أطراف الصراع. مواجهة الغطرسة الأمريكية فالدول العربية والقوى العربية والفلسطينية مطالبةٌ بتعزيز علاقاتها مع البرازيل، وكافة دول أمريكا اللاتينية وكافة القوى النشيطة والناشطة والمؤيدة للحقوق العربية والثوابت الفلسطينية، وإن تعزيز الصمود العربي لن يتم بالاعتماد على الاقتصاد الأجنبي، وإنما بناء قاعدة اقتصادية صلبة وقوية تسمح باستقلالية القرار والحفاظ على السيادة، فالتجربة البرازيلية الناجحة وتجارب فنزويلا وبوليفيا وغيرها يجب أن تكون مثلًا تحتذي به الدول العربية عامةً، كما على المؤسسات العربية والفلسطينية بالبرازيل أن تنشط وتتغلب على خلافاتها لتكون أيضًا بمستوى التحديات لمواجهة اللوبي الصهيوني الضاغط على الحكومة البرازيلية وغيرها من الحكومات بأمريكا اللاتينية، وإن تعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية يجب أن يكون من اهتمامات الجميع حكومات وقوى وأحزابًا، وكم يكون له انعكاسات إيجابية إذا كان هناك قرار لاستثمارات عربية- أمريكية لاتينية متبادلة لبناء قاعدة اقتصادية مستقلّة بكافة الحقول تنقِذ الوطن العربي من قيود التبعية للإدارة الأمريكية والقوى الغربية، فالتحديات يجب أن تكون بمستوى المسئوليات، والقوى الوطنية واليسارية الفلسطينية والعربية يجب أن تكون أيضًا بمستوى التحديات، وأن تعرف أهمية قارة أمريكا اللاتينية، وأن لا تحصر هذه القوى مواقفها على التمنيات، فأمريكا اللاتينية دولًا وأحزابًا تقف بمواجهة كافة المحاولات الأمريكيةوالغربية للتدخّل بالشئون الداخلية لدولها، ففي الوقت الذي تعمل فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية على إنقاذ اقتصادها، فإن دول أمريكا اللاتينية تعمل على تطوير اقتصادها وتثبيت سيادتها على خياراتها وأراضيها، وتستعد للمواجهة القادمة التي يقرّها ويعترف باحتمالات نشوبها كافة القوى بالقارة. المصدر: الإسلام اليوم