عندما تحدثت عن "تهييف" الدولة، في المرحلة اللاحقة، لانتخاب الرئيس مرسي، لم أكن أقصد "النقد" بقدر لفت الانتباه إلى شبهة "الانحراف" بالسلطة، حين يختار "رجال الدولة" عبر فلاتر "تنظيمية": الولاء وليس الكفاءة. لم ينتبه الرئيس مرسي، إلى أسباب سقوط "دولة مبارك".. ولم يطلع على تجربة ل 30 عامًا التي سبقت انهيار نظامه.. إذ ظلت دولته متماسكة طوال السنوات التي أسند فيها إدارة البلاد ل"رجال دولة" محترفين.. لا نتحدث هنا عن "فسادهم".. وإنما عن "الحرفية".. حتى في التزوير وفي تفصيل القوانين على مقاس القصر الرئاسي. الرئيس مرسي، يسدد الآن فاتورة باهظة، بسبب إسناد المهام الكبيرة إلى "أنصاف" الحرفيين من التكنوقراط والسياسيين.. بل إن الفوضى التي تعصف بكل مفاصل الدولة الآن، تعود إلى سياسة "تهييف" المناصب.. والتعاطي معها ك"هدية" للحبايب والمقربين إلى قلب صانع القرار. ما يحدث على سبيل المثال في الشورى الآن، لا يمكن وصفه إلا أنه "حاجة تكسف".. ولعل آخرها قرار المجلس تعليق تصويت العسكريين في الانتخابات إلى عام 2020.. رغم أنه قرار يؤسس لعدم دستورية كل المؤسسات التي من المقرر انتخابها في وقت لاحق من هذا العام. لم يدرك الرئيس مرسي، أن نهاية مبارك، بدأت مع "تهييف" المناصب والقيادات التي اعتمد عليها في نهاية حكمه: اختفاء كمال الشاذلي على سبيل المثال وإسناد مهامه إلى أحمد عز.. ثم توسعة عملية التهييف، في رأس الدولة، مع ترك البلد ل"الصبية" جمال وعلاء وللنخبة النسائية المحيطة بزوجة مبارك "سوزان ثابت".. والاعتماد على عصابة من رجال الأعمال الطفيليين والفاسدين، المقربين من "العائلة المالكة".. بلغت حد إسناد حقيبة وزارية لمن يحمل حقيبة "الهانم".. ولسيدة غير متعلمة كل مؤهلاتها القدرة على الانحناء أمام زوجة الرئيس، وتقبيل يدها! في عهد مبارك.. كان "تهييف" الدولة في السنوات العشر الأخيرة.. فسقطت دولته فور بلوغ "التهييف" ذروته مع انتخابات 2010 البرلمانية.. وهي الانتخابات التي أظهرت الفارق بين "هيافة" الأداء السياسي ل"الهاوي" أحمد عز.. وسلفه "الرصين" كمال الشاذلي. في عهد مرسي.. بدأ "التهييف" مبكرًا.. بتوزيع المناصب عبر معايير "المجاملة" أو "الأخونة".. فتسارعت وتيرة التحول بشكل كارثي: من الدولة "الهايفة" إلى الدولة "الفاشلة".. واتجهت "دولة الإخوان" إلى محطتها الأخيرة والنهائية، بسرعة مذهلة، إذ لم يُكمل رئيسها عامه الأول في السلطة، في حين تستعد الميادين والشوارع لمليونية "الكارت الأحمر" لحمله على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. المشكلة التي لم يدركها الرئيس، أن فرصة "الإصلاح" و"المراجعة" والإنصات إلى صوت العقل قد فاتت بعد أن خلت البلاد ممن يمكنهم الوثوق في وعوده أو في وعود جماعته. الرئيس هذه الأيام يسدد فاتورة "التهييف" التي ورطه فيها، ظهيره التنظيمي، وهو نفس السبب الذي أجهز على نظام مبارك الأكثر خبرة وقوة ووحشية وحرفية، من الحكام الجدد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.