يقولون إنه في العام 2005 قد تحرر الجنوب اللبناني..! غير صحيح؛ فالجنوب اللبناني ما زال محتلًا حتى اللحظة؛ فبعمق نحو 15 كيلو تسيطر القوات الدولية التي تحمي أمن "إسرائيل" بشكل مباشر، وذلك بعد انسحاب ميليشيا "حزب الله" من هذه المنطقة نتاج هزيمته العسكرية في حرب 2006... أما باقي العمق الجنوبي فيحتله "حزب الله" الذي يحكم لبنان الآن.. لكن دعونا نصدق ترهات نصر الله عن التحرير وعيد التحرير، أوليست قد مضت ثمانية أعوام كاملة على هذا "التحرير"؟! بلى.. فماذا عساه لبنان ينتظر حتى يطور جيشه ويستوعب مثل هذه الميليشيا المتورمة؟! ألا تكفيه كل هذه السنين، وتلك الهدنة الطويلة لكي يبني جيشًا محترفًا مستقلًا؟! بلى، تكفيه.. فمن يحول؟ قائمة طويلة تحول دون لبنان وبناء جيش قوي، أولها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي وعدت مرارًا هذا الجيش بتزويده بأسلحة أكثر تطورًا وقدرة على بسط سيطرته على كامل التراب اللبناني، لكنها لم تفعل، ولن تفعل، ليس لأنها تفتقر إلى التمويل؛ فكثيرًا ما "تبرعت" دول عربية بالمال بسخاء لجهود "إعمار" لبنان بعد مغامرات نصر الله المتعاقبة، وسوف لن تدخر وسعًا في فعل ذلك إن رغبت واشنطن في ذلك؛ فلبنان أولى بالطبع لدى بعض الأنظمة من دول أخرى إفريقية تدفقت أموال للحرب فيها ل "مكافحة الإرهاب".. لكن واشنطن تفتقر إلى الإرادة.. ثانيها "إسرائيل" التي حملت مرارًا وتكرارًا الحكومة اللبنانية مسؤولية أي "تجاوزات" تحصل من أراضيها، وعاتبتها على عدم تمكنها من "ضبط" سلاح ما يُسمى بالمقاومة، وهي لو رغبت لضغطت على كل مراكز التأثير في أمريكا وأوروبا لتزويد الجيش اللبناني بما يحتاجه لضبط الحدود.. لكن تل أبيب لا تتحمس.. ثالثها الدول العربية التي كانت تئن من نفوذ الإيرانيين ولم تزل، إلى الحد الذي جعل سفراءها فضلًا عن سياحها تلتمس الأمان من "حزب الله" في لبنان، وتعاني من آثار وتمدد المشروع الإيراني.. لكنها عاجزة عن تحويل أمانيها لحقائق في ظل إدراكها للرغبة الأمريكية الحاكمة لمحددات السياسة العربية.. إيران.. روسيا.. الخ والخلاصة؟ أن ميليشيا "حزب الله" هي التي تحكم لبنان بأمر من.. العالم! فأما هذا العالم؛ فقد حذرت دولته العظمى من تدخل "حزب الله" في الأراضي السورية، وطالبته أخيرًا بالانسحاب فورًا من سوريا قبل معركة القصير الأخيرة على طريقة "أنجز.. فضحتنا"! فأنهى الجزء المعلن من مهمته في القصير، ولم يغادر لحد الآن.. عودوا معي إلى الوراء قليلًا، في العام 2008 حينما غزا "حزب الله" بيروت، حينها حركت واشنطن حاملة طائرات باتجاه الشاطئ اللبناني، اطمأن تيار المستقبل قليلًا.. استمرت ميليشيات الحزب تعيث في لبنان فسادًا، ثم قفلت الحاملة عائدة دون أي تعليق من أي نوع، سياسي أو عسكري.. والخلاصة، تصريحات وتحركات بمثابة قنابل دخان إما للانسحاب أو للتقدم.. وأما هذا العالم؛ ففي نسخته الأوروبية لم يزل يناقش ويمحص ويفحص في قرار لا يضع "حزب الله" على لائحة المنظمات الإرهابية، وإنما يفكر في وضع الجناح العسكري من الحزب على اللائحة، ويستثني السياسي، وسائر الأذرع الأخرى، أكانت اجتماعية أو ثقافية، على غرار "شين فين"، الجناح السياسي للجيش الأيرلندي الذي لم يزل يتمتع بحصانة كاملة حتى الآن في أوروبا كحزب سياسي مشروع، بما يعني أننا إزاء قرار أجوف مفرغ من مضمونه وجدواه.. (قيسوا بنفس الأداة حركات أخرى في سوريا أو فلسطين توضع برمتها في لوائح الاتهام، مع أن بعض الفصائل تلك لم تتعرض ل"إسرائيل" بعد، بخلاف الحزب المتهم بقتل يهود في بلغاريا، بخلاف مسرحيات الجنوب اللبناني)!.... وأما الحزب ذاته؛ فقد أوفى وكفّى.. يقاتل مجموعات مسلحة مرشحة لتكوين جيش يقض مضاجع "إسرائيل"؛ فهو لا يقوم بحرب بالوكالة عن إيران وحدها، لا، بل نيابة عن "إسرائيل" التي وفرت غطاءها التقليدي من الصمت، تمامًا مثلما فعلت مع واشنطن وهي تغزو العراق، لكي لا تسبب حرجًا للغازي.. وأما الحزب فقد ترك مزارع شبعا، ولم يشبع من الدم السوري؛ فسواء أكانت شبعا لبنانية أو سورية فهي أولى بالتحرير من القصير! لكنه لم يفعل.. توغلت ميليشيات الحزب أكثر من 15 كيلو متراً في سوريا، وهي مسافة مكافئة لعمق الشريط الحدودي الذي تركه "حزب الله" طبقا لاتفاق الإذعان مع "إسرائيل" للأوروبيين ليمثلوا حائط حماية للصهاينة، تركه واستبدل به آخر في سوريا لكي يؤمن "إسرائيل" أكثر وأكثر.. ومن اجتياح الجزء السني من بيروت إلى القصير؛ فالسنة خونة في حس الحزب وإن لم يعلن، أو يتدثر بمحاربة "التكفيريين" "الوهابيين"، وهل كانت فضائية المستقبل المنحلة أخلاقيًا من التكفيريين المتطرفين، حين اعتدت عليها عناصره؟! أو هل كان محاربة المشروع الصهيوني الأمريكي لا يمكنه الوصول للقدس إلا عن طريق القصير؟! أو كما يتندر السوريون بأن "حزب الله" "رأس المقاومة والممانعة وكل نعوت البطولة" سيغادر القصير إلى حلب ومنها إلى تركيا فروسيا فسيبيريا ويدور حول الكرة الأرضية ليفاجئ "إسرائيل" من الجنوب! إن ما يتندر به السوريون اليوم مع زفرات الألم يبرهن على أن "حزب الله" قد صار أضحوكة، وانتهى زيفه المقاوم، وانتحر أخلاقيًا أمام كل مخدوع به، فلقد صارت القصير آخر مسامير نعشه في عالم الزيف.. فصاحب عقيدة الكذب المستمر (التقية) لا يمكنه العيش إلا في مستنقعات الأكاذيب، وحين يفقدها يموت.. لقد تحملته المنطقة كثيرًا، إذ قال مقاومًا، فانكشف محتلًا جزارًا لاسيما في القصير.. وإذ قال نصير المستضعفين في الأرض، فانفضح خادمًا للمستكبرين والطغاة.. وإذا قال وطنيًا وعربيًا فاستبان الرأي فيه مرتزقًا كبلاك ووتر لا فرق، خائنًا فارسيًا.. هو الآن يوزع الحلوى في طرقات بيروت، لكنه عن قريب سيقول كما قال الحجاج بن يوسف عن سعيد بن جبير في آخر حياة الحجاج وقبل أن يجن "مالي ولسعيد بن جبير".. سيقول يومًا "مالي وللقصير".. فلقد بطل السحر اليوم.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون". Amirsaid_r@