"القصير" هي جولة في حرب طويلة لن تكون سهلة في تحديد مستقبل سوريا حتى لو دفعت إيران بكل الميليشيات التابعة لها في بعض البلدان العربية. الثورة في سوريا لن تنتهي بانكسارها بعد كل تلك الدماء التي سالت، وبعد كل تلك التدخلات الإقليمية والدولية في هذا البلد، فلابد من حصد الثمار، وإلا سيتكرس ظلم الشعوب، وسيتعاظم جبروت الطغاة، وهذه الدائرة لا تصل إلى تمامها أبدًا مهما مرت السنون. والربيع في تونس ومصر واليمن وليبيا يؤكد أن التغيير لابد أن يحصل لأنه سنة كونية، وستلحق به سوريا بشكل أو بآخر إن عاجلًا أو آجلًا. ومهما كان حجم التواطؤ على دماء السوريين فإنهم لن يركعوا، وكل بيت فيه شهيد أو جريح أو مشرد أو مفقود أو غاضب صار له ثأر لن يتوقف عن أخذه، وإذا كان الجزار يحكم تحت القصف والنيران منذ أكثر من عامين فأي حكم هذا لطاغية بارع في تدمير بلده، وسحق شعبه، ووضعه على قائمة القتل اليومي، وأي بلد محترم يمكن أن يتعامل معه باستثناء تحالف الشر الذي يدعمه، وهو تحالف منبوذ ومكروه في محيطه وفي عالمه الواسع. الثوار كانوا قد حرروا مدينة "القصير" من النظام العائلي الطائفي، واليوم يعيد احتلالها بعد تسويتها بالأرض التي ارتوت بدماء سكانها، فأي انتصار يفرح به ويهلل له؟، هل حرر مدينة واحدة في الجولان؟ هل رد على إهانة واحدة من الإهانات الإسرائيلية المتكررة التي جعلت كرامته في الوحل؟ مما يفرح وهو يفقد طوال عامين القرى والمدن أمام ثوار هواة، كانوا مسالمين موادعين، ولم يكن لهم في الحرب ولا القتال، لكنه اضطرهم لذلك دفاعًا عن الأهل والنفس وقيمة الحرية السامية؟. ليس هناك تكافؤ في المعارك، فالمقاتلون في الجيش الحر لا يملكون سوى السلاح الخفيف، علاوة على ما يغنموه من معسكرات العصابة، بينما الحاكم المؤتمن على الدماء يقصفهم بالطائرات والدبابات وراجمات الصواريخ والكيماوي وكل ما في ترسانته الضخمة التي تغذيها روسياوإيران بالأسلحة الحديثة والتي لم توجه رصاصة واحدة منها يومًا لإسرائيل بينما يوجهها ضد شعب طامح للكرامة والعيش بإنسانية، ومع ذلك فهو لم يحتل "القصير" بقوة جيشه وشبيحته مصاصي الدماء، فهم متهاوون متراجعون، إنما بميليشيات مذهبية تحركت بأوامر إيرانية. الجيش الحر خاض طوال 20 يومًا ملحمة قتالية في "القصير" ضد تحالف الشر العالمي: عصابة الأسد، ميليشيا حزب الله، الحرس الثوري الإيراني، عناصر عراقية، ويمنية "حوثيون"، وهذه الفئات الباغية مدعومة عسكريًا وسياسيًا من روسيا الشريكة في سفك الدماء البريئة. إيران هنأت جيش الأسد باسترداد "القصير"، والحقيقة أنها تهنئ نفسها وليس تابعها في دمشق، وبذلك فهي تعلن رسميًا أنها من تحارب في سوريا بقواتها وجنرالاتها لإنقاذ الأسد، وللحفاظ على مناطق نفوذها في سوريا ولبنان والعراق، والميليشيات التي تقتل السوريين لم تتدخل علنًا وبكثافة إلا لما وجدت طهران أن واليها على دمشق صار منهكًا وهناك مؤتمر دولي بشأن ما يسمى بالحل السلمي فأرادت أن تغير المعادلات على الأرض لفرض الشروط التي تفرغ أي حل سلمي من مضمونه وتبقي على الوضع كما هو في سوريا ولتذهب الدماء الغزيرة التي سالت سدى. وحزب الله هو الآخر يقيم الأفراح ويرفع شعارات مذهبية ممجوجة بالنصر الذي وعد نصرالله أن يحققه في سوريا لكنه لا يدرك أنه نصر مؤقت وبطعم خسارة أوسع له ولحزبه لأنهما سقطا إلى الحضيض لدى ملايين العرب والمسلمين الذين كانوا يهتفون لهما يومًا، والخسارة التي لحقت بتلك الميليشيا لن يعوضها احتلالها لعشرات المدن مثل "القصير" فقد انكشف خداع المقاومة الزائف وانفضحت شعاراتها الكاذبة. الجيش الحر يقاتل على أرضه دفاعًا عن شعبه ولأجل اقتناص الحرية وتحرير سوريا من النظام البربري الذي يسيم الناس كل صنوف العذاب منذ 43 عامًا، وشركائه في البغي هم غرباء لاعلاقة لهم بالأرض التي يحتشدون عليها، ولا قضية مشروعة لهم، فكل هدفهم الاقتتال المذهبي لحماية رجلهم في دمشق من السقوط والدفاع عن أساطير دينية ومذهبية تعيدنا إلى الوراء مئات القرون، هؤلاء يعيشون في الماضي وعلى أنقاضه، ولا يريدون العيش في المستقبل، وهم لا يعرفون غير ثقافة الموت، وليس ثقافة الحياة. مقاتلو الجيش الحر أصحاب قضية عادلة فهم يواجهون قاتلًا لا ينتمي لعالم البشر، بينما هؤلاء المتقاطرون ليس لهم هدف مشروع، إنما هم غزاة ووقود حرب صدرت لهم تعليمات ممن لا يعنيهم سقوط الألوف، المهم أن تتحقق أحلامهم الدينية والسياسية التوسعية، لكنهم يحظون اليوم أكثر من أي وقت مضى برفض واسع في عموم العالم العربي والإسلامي، علاوة على العزلة الدولية المتزايدة والحصار الذي لم يعد يتحمله الشعب الإيراني وبداخله طاقات غضب ولهب مكبوتة تنتهز فرصة أخرى لتنفجر كما حصل عام 2009. صبرًا ثوار في سوريا فأنتم تسطرون ملاحم بطولة، تقاتلون قوى الشر والطواغيت في هذا العالم بعون من الله، وبمدد من المتعاطفين معكم، وصمودكم لأكثر من عامين أمام آلة عسكرية دولية عابرة للحدود هو أمر معجز، وانتصار كبير لكم رغم التواطؤ والتخاذل الدولي، والتاريخ سيسجل أن الإنجاز الوحيد ل أوباما راعي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان بعد 8 سنوات من الحكم أنه كان فقط أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.