رغم النشاط الملحوظ في توزيع المنشورات، لحث المواطنين على النزول يوم 30/6 لخلع الرئيس، ورغم الدعاية الإعلامية المتواصلة على الفضائيات وفي الصحف وعبر الإنترنت لذلك اليوم، ورغم انتشار شباب تمرد في كثير من الميادين والشوارع، وهم يدعون إلى التوقيع على استماراتهم، وقد واصلوا الأيام والأسابيع وهم على تلك الحال (مش عارف بيصرفوا منين..؟)، المهم رغم كل ذلك يبقى الموضوع كاملا يشبه البطيخة التي ينتظر الجميع 30/6 ليكتشف هل هي (قارعة أم حمرا..؟) لا أحد مطمئن إلى نتيجة ذلك اليوم، ولا أحد يستطيع أن يتكهن بها، حتى قيادات المعارضة السعداء جدًّا لهذا لم يضعوا أنفسهم في الصفوف الأولى، ولم يعلن أحدٌ منهم أنه المسئول والداعي الرسمي للمظاهرات في هذا اليوم، ولكنهم جميعًا متضامنون فقط، مع من؟ لا ندري. إنني أستمع إلى الداعين إلى مظاهرات 30 يونيه بكل جدية، فليست لي مصلحة سوى اتباع الحق أنى وجدته، وأستطيع أن أختصر كلامهم في رؤية جامعة تعبر عن رأيهم إجمالاً، مفادها أن نظام الرئيس مرسي هو امتداد لنظام الرئيس مبارك بتغييرات طفيفة لا تتناسب مع مطالب الثورة وطموح شبابها، وهذا يتطلب إعادة الثورة أو استكمالها على أن يكون مطلبها واحدًا، وهو رحيل هذا النظام. هذا الكلام يحمل مفارقة عجيبة، تهدمه من الأصل، فلو كانت النوايا خالصة في الخروج لهذا المطلب، لاستدعى ذلك تحاشي أخطاء ثورة يناير، فليس من المعقول إعادة التجربة بأخطائها، وفي تصوري أنه لا يعيب ثورة يناير إلا عدم وجود قائد محدد لها، وقد فرض ذلك طبيعة الظرف التاريخي لها، وقد تغير هذا الظرف تمامًا حتى أصبح قادة الجيش والشرطة يعلنون من الآن أنهم ينتظرون كالجميع نتيجة البطيخة. فهل صحح الداعون إلى30 يونيه هذا الخطأ فحددوا لنا قائدا يلتف حوله الجميع؟! طبعًا هذا يستحيل عليهم؛ لأن تحديد القائد يتطلب إخلاصًا وصدقًا وإيمانًا بالفكرة والهدف، ويتطلب مع كل ذلك التحلي بالبطولة؛ تلك البطولة التي تجعل صاحبها يعطي دون شرط الحصول على مقابل، البطولة التي ينبغي أن يتحلى بها من يعلن نفسه قائدا لتلك الثورة ويتحمل نتائجها، ويتحلى بها الذين يَقبلون أن يصطفوا خلف ذلك القائد متجردين من أطماعهم الشخصية من أجل مصلحة الوطن. والواقع المؤسف أن مسألة البطولة هذه والتي هي شرط أساسي لتحريك ثورة حقيقية، بعيدة كل البعد عن الداعين للخروج في 30 يونيه. كما أنهم يدركون جيدًا أنه إذا أعلن أحدهم أنه القائد فلن ينزل معه ثلاثة أرباع المتحمسين على الأقل لأنهم غالبا يرفضونه. سوف أتجاوز هذه النقطة لعدم تعجيزهم، وأسأل سؤالا مشروعًا للغاية: إذا نجحتم في إجبار الرئيس مرسي على الموافقة على انتخابات مبكرة، فما مقدار هذا التبكير، سنة أم ستة أشهر أم ثلاثة..؟ ومن الذي سيدير البلاد في هذه المرحلة بالتحديد؟ وهل سيحق للدكتور مرسي الترشح فيها أم لا؟ وفي حالة استحقاقه ونجاحه هل سيحسب العام الذي قضاه بمثابة فترة كاملة أم سنبدأ العد من جديد؟ وعلى أي أساس ستتم هذه الانتخابات؟ على أساس دستور 2012 أم سيسقط الدستور مع الرئيس؟ من المنطقي أنكم ستغيرون الدستور؛ لأن الثورة على النظام والدستور معًا، وفي هذه الحالة ما منهجكم في كتابة دستور جديد؟ عشرات الأسئلة المشروعة تفرض نفسها لا من باب التعنت –أبدًا والله - وإنما من باب ما تعلمناه من درس الثورة القريب، حتى لا نخلع رئيسًا لنجد أنفسنا في قبضة خمسة أو أكثر كل منهم أسوأ منه، ونجد أنفسنا كالمستجير من الرمضاء بالنار. لأجل هذا تصبح نتيجة جهود حركة تمرد وأعوانها كالبطيخة كما قلت، غير أن بين تمرد والبطيخ علاقة أخرى، وهي أنه شوهد بعض الفلول يجمعون التوقيعات على استمارة تمرد بمقابل يتراوح بين عشرين وخمسين جنيهًا، في محاولة منهم لاستكمال المستهدف من التوقيعات ولو بالمال، وقد أدهشني هذا الفعل الغريب، لأنه يدل على الأمانة والخسة في آن واحد؛ أما الأمانة فلحرص هؤلاء الفلول على أن تكون التوقيعات حقيقية غير مزورة، وأما الخسة فلتزوير إرادة الناس واستغلال حاجتهم للمال بهذه الصورة، فمؤكد أن كثيرا من المعدومين سيحرصون على التوقيع ليحصلوا على العشرين جنيها التي تمكنهم من شراء بطيخة محترمة، وبدلاً من أن يدخل أحدهم على أبنائه خالي اليدين، يدخل عليهم حاملا بطيخة تمرد. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.