قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية إن عدم الاحتفال بافتتاح معبد "بن ميمون" اليهودي بالقاهرة بعد إعادة ترميمه يكشف عن المعضلة الحقيقية داخل المجتمع المصري المستمر منذ أن أعلنت قيادته السلام مع إسرائيل قبل ثلاثة عقود حول كيفية تحقيق التوازن بين مطالب العواصمالغربية وعملية السلام التي تعتمد على قيام مصر بالعمل مع إسرائيل وبين النفور العام من إسرائيل. وأكدت في التقرير الذي أعده مراسلها في القاهرة، مايكل سلكمان، أن الجهود التي بذلت من أجل ترميم المعبد وفي الوقت ذاته التزام الصمت حياله تكشف عن طرق الحكومة "الملتوية" في إرضاء كل الأطراف في وقت واحد. وأضاف أن المشكلة نشأت عندما قرر الرئيس أنور السادات إقامة سلام مع إسرائيل دون تسوية الصراعات العربية الأخرى، وشعور المثقفين المصريين بأنهم ملزمون باتخاذ موقف لدعم الشعب الفلسطيني ولذلك دعوا إلى مقاطعة التطبيع. وقالت إنه عندما افتتحت إسرائيل سفارتها بالقاهرة منذ ما يزيد عن 30 عامًا أصبح النقاش حول كيفية التعامل مع إسرائيل أكثر تعقيدًا، حيث تحاول الحكومة والمثقفون الحفاظ على سلام بارد، وفي الوقت ذاته الرضوخ للحقائق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية البراجماتية، على حد قول المحللين السياسيين. وأشارت إلى أنه مع مرور الوقت أصبحت الصورة غير واضحة، حيث قامت مصر بعقد صفقات اقتصادية مع إسرائيل وباعت لها الغاز الطبيعي واستقبلت مسئولين إسرائيليين وأرسلت مسئولين مصريين إلى إسرائيل، لكن تغطية فضائية "الجزيرة" للأحداث في إسرائيل والأراضي المحتلة جعلت الأمور أكثر تعقيدًا كما تقول. وخلصت الصحيفة إلى أنه لا توجد أي رغبة في مصر لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد مضي 30 عامًا من توقيع اتفاقية السلام، ولم يوجد أبدًا تعريف ثابت لأين يجب أن يتم وضع الخط الفاصل وهذه هي نقطة الجدل، فهل يتم منع الصحفيين المصريين من إجراء مقابلات مع المسئولين الإسرائيليين، وهل يمكن للفنانين عرض أعمالهم الفنية في معرض يعرض أيضًا أعمال إسرائيلية؟. ولفتت إلى الجدل الذي أسفرت عنه مقابلة هالة مصطفى رئيس تحرير مجلة "الديموقراطية" السفير الإسرائيلي في مكتبها حيث تم انتقادها ومعاقبتها، وكانت هذه هي المرة الأولى التي تعاقب فيها نقابة الصحفيين عضوًاً لمخالفة قرار حظر التطبيع منذ تأسيسها في عام 1941. وأشارت إلى أنه حتى منتقدي مصطفى الذين يختلفون بشدة مع سياستها قالوا إنهم شعروا بالدهشة من الطبيعة الانتقائية للإدانة، وقالت إن ذلك يعكس طريقة الدولة ومؤسساتها في تطبيق القواعد والقوانين، كما أنه يوضع العداء الواسع لإسرائيل. وتابعت الصحيفة قائلة إنه في الوقت الذي عوقبت فيه هالة مصطفى فإن ستة من كبار الباحثين المصريين منهم بعض الباحثين بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية ب "الأهرام" قاموا بحضور مؤتمر مع السفير الإسرائيلي ولم تتم معاقبة أي منهم. وذكرت أنه عندما طرح موضوع ترميم المعبد اليهودي للمرة الأولى منذ عامين وافقت مصر على القيام بذلك، لكنها طلبت ألا يكون على الملأ، ثم تم الإعلان عن المشروع بعد عام عندما كان وزير الثقافة المصري فاروق حسني يأمل في أن يصبح المدير العام لمنظمة اليونسكو خلال الانتخابات التي جرت العام الماضي. وأضافت: عندما فشل في الحصول على المنصب شكّ الكثيرون في أن يتم استكمال المشروع ولكن تم الانتهاء من الأعمال وأخبرت السلطات أفراد الجالية اليهودية المصرية أولاً أن وسائل الإعلام لن تتمكن من حضور المراسم لأنهم يريدون الإعلان رسميًا عنه بأنفسهم. وكان الدكتور زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار ألغى الاحتفال الرسمي بافتتاح المعبد في مارس الماضي بسبب الرقص وتناول المشروبات الروحية بالمعبد، الأمر الذي اعتبره سلوكا سيستفز مشاعر المسلمين من جانب الطائفة اليهودية داخل المعبد. ونقلت الصحيفة عن حواس قوله: "هذا أثر مصري، وإذا لم تستعد جزءًا من تاريخك، فستفقد كل شيء، أنا أحب اليهود فهم أولاد عمومتنا! ولكن ما يفعله الإسرائيليون ضد الفلسطينيين أمر جنوني، وسأفعل كلَّ ما بوسعي لترميم المعبد اليهودي والحفاظ عليه، ولكن لا أستطيع أن أقبل الاحتفال به"، مؤكدا أنه يحاول "إرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أنهم يجب أن يصنعوا السلام". ووصف الحاخام أندرو بيكر من اللجنة اليهودية الأمريكية تصريح حواس بأنه تعليق محزن على الأوضاع الراهنة، وأضاف: "طوال مناقشاتنا على مر السنين كنا خائفين من الأصوات الناقدة في مصر والتي تخلط بين النقد لدولة إسرائيل وبين اليهود المصريين وتراثهم". وأشارت الصحيفة إلى أن بيكر كان يأمل في أن يهنئ المسئولين المصريين على عملهم في خطابه أثناء حفل الافتتاح إلا أن خطابه لم يسمع أبدًا.