بدون مقدمات، أترككم مع رواية حدثت فى مطار القاهرة قبل أربعة أيام، وأعتذر لطولها النسبى، يقول الراوى: وصلتنى دعوة كريمة من جمعية القرآن والسنة فرع شرق إفريقيا لإقامة دورة علمية فى (كينيا)، و(تنزانيا) لشرح حائية ابن أبى داود، ومنظومة قصب السكر، فى (كينيا)، وشرح منظومة البيقوني، ومتن الطحاوية فى (تنزانيا)، وأرسلوا لى دعوة كريمة، وتأشيرة دخول إلى (كينيا) لذلك السبب. توجهت مساء الأربعاء 29/5/2013م إلى مطار الملكة علياء الدولى للمغادرة إلى القاهرة، ومنها لكينيا، وصلنا القاهرة فى الموعد المقرر لوصول الطائرة، وتوجهت مباشرة إلى قاعة (الترانزيت)، وتفاجأت بموظف فى شركة مصر للطيران يخبرنى أنه يجب علىّ التوجه إلى مكان محدد فى المطار لتوجيهى إلى فندق فى القاهرة، لأن رحلتى بعد (24) ساعة. سلمتنا الشركة المصرية أوراقًا للدخول إلى فندق (..) فى القاهرة، ولما توجهنا إلى بوابة الخروج للخروج من الجوازات، سألنى ضابط الأمن عن جنسيتى، فأخبرته أننى أردنى الجنسية، وجواز سفرى بيده، فشطب كلمة (أردني) عن ورقة دخولى وكتب فى خانة الجنسية (فلسطيني)، فقلت له: نعم أنا فلسطيني، ولكن جنسيتى أردني. أردنى من أصل فلسطيني. فقال بتهكم: كله عرب. أوقفنى الأمن المصرى بعد أن ختم جوازى لتدقيقه، وبعد تدقيقه حولونى إلى الأمن الوطنى، سألنى ضابط المباحث عن جهة قدومي، فأخبرته بكل صدق ووضوح، عن قدومى من عمان، ووجهتى إلى (كينيا)، وطلب منى التأشيرة والدعوة (الكينية) فأعطيته إياها، وسألنى عن سبب دخولى مصر فأخبرته بخبر إلغاء رحلتي، وأبرزت له ورقة الفندق، وسألنى عن سبب رحلتى فأخبرته عن الدورة المتوجه إليها. سألنى عن آخر مرة دخلت مصر، فأخبرته بأنه قبل نحو ثلاث سنوات، وسألنى عن سبب اعتقالى فيها، ومدته، فأخبرته بأنه لا سبب، وأنهم اعتقلونى (28) يومًا مُغَمَّى العينين، مُقَيَّد اليدين، وأن مباحث أمن الدولة تحفظت علىّ حسب تعبيرهم ليفحصوا علاقتى بجماعات متطرفة لم يثبت منها شيءٌ يُذكر، كما صرحوا بذلك للسفارة الأردنية فى القاهرة، وكما أخبَرَتْ السفارة الأردنية وزارة الخارجية الأردنية بكتاب رسمى معى صورة منه، فقال: إنهم هم الأمن الوطني، وليسوا أمن الدولة. أرسلنى الضابط مع بعض عناصرهم، وهو الذى جاءنى أول مرة، وأجلسنى فى قاعة القادمين حتى مضى علىّ منذ حجز جواز سفرى أكثر من ساعة ونصف، ثم أدخلنى إلى غرفة فيها رجلا أمن، فسألنى أحدهما عن وجهتى فأخبرته، ففاجأنى بأنه يشكك فى روايتي، واتهمنى أننى أريد أن أتوجه إلى غزة، مما سبب لى صدمة مفاجئة ابتداءً سرعان ما أفقت منها، أجبت الشرطى المتهكم السائل عن حقائبى أن معى حقيبة واحدة، وحقيبة أخرى سبقتنى أو ستتبعنى إلى (كينيا)، فسألنى بتهكم (كينيا) ولا (غزة)؟! فقلت له بتصبر، ودهشة حقيقية: (كينيا)!!.. ويش ام ودينى على غزة؟! طلب منى أن أقترب منه، وسألنى بسخرية، واستهزاء، واستهتار، وتهكم عن خبري.. وحالي.. وموضوعي.. فأخبرته أن طائرتى المؤجلة إلى (كينيا) غدًا فى نفس موعدها المؤجل اليوم؛ الساعة (21.45) مساء، وأوضحتُ له سبب تأخري، وأردت أن أريه ورقة الفندق فأخبرنى بتهكم واستهزاء بأنه لا داعى لذلك، وأننى ها نورهم حتى الموعد القادم للرحلة. أدخلونى مكاناً مظلماً حاراً كالفرن.. ذكرنى بسرداب مباحث أمن الدولة قبل ثلاث سنوات، بالكاد ترى فيه ضوءَ جهازِ حاسوبٍ محمولٍ مضاءً، سَلَّمْتُ؛ فرد رجل يحمل حاسوبًا محمولاً السلام، وسألت عن النور فأخبرنى أن خلفى مفتاحاً للنور، أشعلت مفتاح النور فأبان عن نائمين على سرر من طابقين، تنبه بعضهم لدخولى فانتبه أو استيقظ، وبقى الأكثرون يغطون فى نومهم، فأطفأت النور مرة أخرى وتلمست طريقى إلى جانب الرجل حامل الحاسوب، الذى كان يلعب لعبة (السوليتير) على جهازه، جلست بجانب الرجل برهة من الوقت حتى تبين لى المكان جيدًا، وسمعت الرجل يجيب على الهاتف النقال، ففهمت التغيير الذى طرأ على مصر فى عهد الثورة، الثورة على الظلم والاستبداد واستبداله بظلم واستبداد بنفس الأدوات الأمنية الظالمة القديمة.. ولكن بنكهة وطعم من الحرية المزعومة، وحقوق الإنسان المهضومة.. حرية الإخوان المسلمين.. وحزب الحرية والعدالة.. حرية المتبجحين بمقولة عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه (والله لو أن شاة، أو بغلة، على شاطئ الفرات عثرت لخشيت أن يسألنى الله عنها؛ لمَ لَمْ تمهد لها الطريق؟!)، سألت الليبى عن الكهرباء التى كانت تزود جهازه الذى أطفأه وجلس بعد مكالمة هاتفية وَصَلَتْهُ عبر جهازه النقال كأنه ينتظر حدثًا ما، فدلنى عليه، فشبكت جهازى المحمول عليه، وبدأت بكتابة هذه الكلمات، وبعد قليل دخل رجل شرطة وأخذ الرجل الذى تبين لى أنه ليبى وخرج به، ثم عاد بعد قليل، وأشعل النور، وسألنى بعصبية مَقيتةٍ لأننى الوحيد المستيقظ: لِمَ أطفأتَ النور؟! فقلت له بعجب، ودهشة، لأنه دخل أصلاً والنور مطفأ: لم أطفئ نوراً، ولم أشعله. انصرفَ الشرطى بعد أن أبقى النور مضاءً.. استيقظ أحد الشباب من شباب قطاع غزة المحاصر المنكوب على صوت الشرطى وحوارى معه وهو (يَتَحَسْبَنْ).. سألته عن حاله فأخبرنى أنه فلسطينى أجرب!!!.. فطمأنته أننى مثله، وأمرته بالصبر، وسألته إن كان غيره فى الغرفة والتى فيها حتى تلك اللحظة عشرة غيرنا فلسطينيًا، فأشار إلى صاحب المحمول النائم على المقعد بجانبي.. ثم تبين لى عند صلاة الفجر أن العجوز الذى لم يستيقظ على رنين هاتفه فلسطينيًا، حيث كنا أربعة فلسطينيين، اثنان من قطاع غزة، والعجوز من فلسطينيى العراق، قدم للعلاج ولم يدخلوه، ورابعهم أنا.. نظرتُ فى الغرفة أمامى فإذا فيها اثنا عشر سريرًا معدنيًا من طابقين.. طاولتان بلاستكيتان.. برميل قمامة.. حقائب مفردة متناثرة هنا وهناك وهنالك.. على عربات المطار، وبغير عربات.. أكوام من الخبز الجاف.. بواقى جبنة مثلثات.. قوارير مياه معدنية مترامية.. عبوات مياه غازية بلاستيكية.. سمعت قراءةٍ قرآن لسورة البقرة منبعثة من حاسوب محمول للرجل الفلسطينى النائم.. انتهت سورة البقرة.. وتبعتها سورة آل عمران.. فسورة النساء.. بحثت فى برنامج الأذان عن وقت أذان الفجر فى القاهرة فوجدته يؤذن بعد الرابعة.. بقيت أكتب إلى ما بعد أذان الفجر.. قمت توضأت وأذنت.. استيقظ بعض النائمين.. استيقظ فلسطينيان.. دخل شرطى طلب من العجوز الفلسطينى الاستعداد للرحيل.. سألته عن أذان الفجر فأخبرنى أنه أذن.. توضأ الغزى الكبير القادم من رومانيا، والمُرَحَّلُ صباحًا إلى غزة.. وتوضأ العجوز الفلسطينى العراقي!!.. صليت السنة وانتظرتهم.. صلوا السنة ثم أقمت الصلاة.. صلينا ثلاثتنا والباقون نائمون.. جلست للكتابة.. وقف الشرطى يرقبنى وأنا أكتب.. تباطأت فى الكتابة ليذهب.. ذهب وجاء آخر ينظر إلىّ وأنا أكتب.. سألنى بعد قليل: ماذا تكتب؟ قصة. أجبته. أبص (أنظر). تركته ينظر. ارفع فوء (فوق). ذهبت به إلى رأس الصفحات. عن إذنك. قالها وهو ينتزع الحاسوب من بين يدي.. انتهت رواية الداعية الإسلامى الشيخ أكرم زيادة والذى تساءل، ونتساءل معه، ما الذى تغير فى مصر بعد الثورة وبعد الحكم "الإسلامي"؟!