ليلة السبت مطلع يونيه الجارى، كانت ليلة تركية بامتياز فى "التوك شو" المصري. فضائيات الليل تركت الشأن المصرى المتخم بالأحداث والقضايا، ويممت وجهها شطر تركيا، لتتابع مظاهرات المعارضة التى تخللتها أعمال عنف على النمط الذى صار يسود مظاهرات المعارضة المصرية فى الفترة الأخيرة، سواء كانت هى مسئولة عنه مباشرة، أو أن هناك مندسين يستفيدون من ذلك الغطاء، لتنفيذ مخططاتهم، عمومًا صارت مصر ملهمة فى نمط التظاهر، وفى الاعتصام بأحد الميادين الكبرى، وهو فى تركيا ميدان "تقسيم" ومشروع تطويره أحد أسباب تفجر الاحتجاجات، كما صارت مصر ملهمة أيضًا فى التخريب الذى يصاحب الاحتجاجات، ولذلك من اليوم يجب أن تتحسب الحكومة ل30 يونيه، ليس بسبب المظاهرات، إذا كانت سلمية، ولكن بسبب ما قد يقع تحت غطائها من كوارث لا يعلمها إلا الله وحده. السؤال: منذ متى كان "التوك شو" يتجاوز الحدود ويناقش قضايا خارجية بشكل مباشر وموسع، حتى تحتل مظاهرات المعارضة التركية تلك المساحات من البث، وتجذب المحللين والمراسلين والمتخصصين للحديث عنها؟ أم أنه صار هناك تآخ بين المعارضة المصرية ونظيرتها التركية، وباعتبار الفضائيات منحازة للمعارضة، فإنها بالضرورة لابد وأن تركز على كل ما يتعلق بشقيقتها فى تركيا؟! والسؤال الآخر: إذا كان "التوك شو" صار عابرًا للحدود فأيهما يجب أن يحتل ترتيب أولوياته؟ الشأن التركى البعيد عنا؟ أم الشأن الليبى الجار والقريب جدًا منا؟ فقد تصادف أنه فى نفس اليوم الذى شهد مظاهرات فى أنقرة وإسطنبول وواجهتها الشرطة بقوة مفرطة، اعترف بها أردوغان بشجاعة، فإن ليبيا شهدت حدثًا خطيرًا، وهو إعلان "برقة" إقليمًا مستقلاً، ولمن لا يعرف فإن "برقة" تقع شرق ليبيا وتلاصق مصر، وهذا الإقليم سيكون كله بجوار مصر على حدودنا الغربية، هذا هو الأمر الذى يستحق الاهتمام، لأن الدولة الليبية الموحدة ربما تتجه إلى التقسيم فى شكل أقاليم لها حكم ذاتى، وقبل "برقة" أعلنت "بنى غازي" نفسها إقليمًا مستقلاً، وإذا سارت الأوضاع الأمنية فى التدهور، فإن ليبيا لن تكون ثلاثة أقاليم كما كانت قبل الإستقلال، إنما ستكون أكثر من ذلك، إقليم "برقة" مسألة خطيرة على الأمن القومى المصري، وإذا كان الوضع الحالى مقلق لجهة تهريب السلاح والمخدرات لنا، فكيف إذا تفتت ليبيا وصارت مصر تجاور أقاليم لا ضابط ولا رابط لها ولا تجد حكومة مركزية تتعامل معها؟! هذا هو موضوع النقاش والتركيز الحقيقى لمصر وأمنها القومى وليس مظاهرة طارئة فى دولة ديمقراطية اعتادت على مثل هذا الحراك. لكن المغزى من اهتمام الإعلام الليلى بتركيا هو "الشماتة" فى أردوغان، لأن العلاقة طيبة بينه وبين النظام فى مصر، وهذا يؤكد ما سبق وقلته من أن "أمراء الظلام"، هم من يديرون ذلك الإعلام غير المحايد وغير العادل، والذى يدوس على قيم المهنية لتنفيذ أجندات لها علاقة بأطراف داخلية تعادى الثورة وأطراف خارجية تخطط وتمول لإفشال المسار الديمقراطى وبالتبعية إزاحة الإخوان عن الحكم وقطع الطريق على الإسلاميين عمومًا عن التواجد بالسلطة ليكونوا بالمعارضة أو العودة إلى الإقصاء مرة أخرى. "أمراء الظلام" يستهدفون مثلث قطر - تركيا – أمريكا، لأنهم يعتقدون أنه الداعم القوى لحكم الإخوان، لكن لا ننسى أنه حكم منتخب جاء بإرادة شعبية، وهو إذا كان يرتكب أخطاء، فإن الإعلام والمعارضة فى سعيهم لإزاحته عن السلطة يلجئون لوسائل غير ديمقراطية تهدد كيان الدولة ذاته، من هنا نجد القصف متواصلاً على قطر وأمريكا، ونجده ينتهز مظاهرة عابرة لتوجيه دفة القصف على تركيا النموذج المبهر فى التنمية، حيث فجأة تحول إعلامنا من الإشادة بنجاحات أردوغان، إلى اعتباره مستبدًا وعاشقًا للسلطة، ويواجه السقوط فى "تقسيم" أو ميدان التحرير التركي، والأدهى أن يتهم بأنه يريد أسلمة تركيا، وكأن عودة تركيا إلى جذورها الإسلامية، أو قيم الإسلام هى جريمة ويجب تجريسه عليها، رغم أن الرجل يشدد على تمسكه بالعلمانية الأتاتوركية. أردوغان يكتسح الانتخابات لثلاث دورات متتالية، ويحقق إنجازات غير مسبوقة لشعبه، وله جمهور بالملايين المملينة لو نزل ما اتسعت له شوارع المدن التركية، ويا ليت مصر الجديدة تستفيد من نجاحات هذا النموذج فى التنمية. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.