بعد زيارة خاطفة للبيت الأمريكى العتيق، عاد رجب طيب أردوغان إلى بلاده يجر أذيال الصدمة، بعد أن فشل ذريعًا فى إقناع صديقه الحميم باراك أوباما بالتحرك الفورى للجم جاره اللدود بشار الأسد. فلطالما منى الرجل نفسه وهو فى طريقه إلى هناك بأنه سيعود من أمريكا بنوق حمر يخطب بها ود قومه، ومظلة طائرات تحمى بلاده من الغرق الوشيك فى المستنقع السوري. لكن أوباما الذى أعلن فى أكثر من مناسبة أن أردوغان أحد المقربين الخمسة من قلبه البيضاوى أعاد مضيفه إلى بلاده على متن طائرة من قلق يضرب أخماسًا فى أسداس. ماذا يفعل أردوغان حيال أسطول روسى مدجج بالتعنت وأحذية إيرانية ثقيلة ومئات الآلاف من المشردين على الحدود بينه وبين رجل باع رأسه للشيطان وأسلم شعبه لحزبه القادم من الجنوب اللبنانى على متن بواخر من عنصرية؟ كيف يواجه الرجل وحده مخالب دب روسى اكتشف أنيابه فجأة وقرر دخول المعركة من أضيق سواحلها؟ وكيف يستمر فى تمرير أطنان الأسلحة وآلاف المقاتلين عبر أسلاكه الشائكة دون غطاء من ثقة؟ المؤكد أن الرئيس الأمريكى الذى لم يعلن عن بقية أسماء المبشرين بحبه ليس جاهزًا الآن لأى مغامرة من أى نوع فى مستنقعنا الشرق أوسطى بعدما تورط حتى حقويه فى مآلات حروبه السابقة فى العراق وأفغانستان. كما أنه لا يستطيع إغضاب الدب الروسى الذى تربطه به توازنات فى بقاع أخرى. ثم إن ضبابية المشهد السوري، وعدم توحد المعارضة السورية على فصيل موالٍ للبيت الأبيض يضيف قطعًا إلى كلفة المغامرة العسكرية هناك. على أردوغان أن يظل حبيس قصره الأنقرى إذن حتى يكشف مؤتمر جنيف الثانى الذى سيعقد بين الكبار فى يونيه القادم عن ساق. فلربما توصل أوباما وبوتين إلى حل وسط يمكن الرئيس التركى الأَرِق من النوم على أحد جنبيه. وحتى ذلك الحين، لن يفصح أردوغان عن مصدر الأسلحة العابرة لحدوده ولا عن هويات الجند، وعلى جون ماكين أن يعبر الحدود سرًا إن أراد الالتقاء بقادة المعارضة السورية الذين سيظلون هدفًا لطائرات الأسد وقناصة حزب الله وقوات الحرس الثورى حتى تنفد ذخائرهم أو يأذن الله بفجر آخر يقلب معادلة الصراع فى أوجه المتآمرين. وتظل سوريا مسرحًا لصراع كونى لا يعلم إلا الله لماذا بدأ ومتى ينتهي. ويبقى شعبها يدفع فاتورة التخاذل والتشتت والخلاف العربى على فاتورة التمويل والدعم حتى تخضب كل شوارعها وميادينها وأزقتها بالدماء. على السوريين إذن أن يدفعوا فواتير الخيانات كلها وأن تتحول أرواحهم إلى أرقام جامدة فى نشرات أخبارنا وعجينة جاهزة للكلام فى مخابز مؤتمراتنا العروبية. وتبقى العروبة معطلة فى أروقة جامعتها حتى إشعار آخر، وتبقى النخوة متخثرة فى شرايين رجولتنا حتى تتحرر فرائس الوهم فى عقولنا المغيبة من براثن الثقة بالتاريخ والأنساب واللغة. أما تركيا، فعليها أن تبذل المزيد والمزيد، لنيل ود أوباما ووصل الاتحاد الأوروبى، لأن ما فعلته حتى الآن فى عرف الأوروبيين قليل. وعلى أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا أن يفعل ما بوسعه لينال شرف التربع على قلب جون كيرى بعد أن تمكن من الحصول على المركز الثانى فى لائحة المقربين منه. على تركيا أن تفتح الحدود أكثر لمغامرة تاريخية قد تعيد تصنيفها لتصبح إحدى دول شرقنا البائس بعد محاولاتها المستميتة للتحول إلى النمط الفرنسى سياسة واقتصادًا. أما نحن، فلا نملك إلا أن نحبس أنفاسنا فى انتظار مهدى يدافع عن عجزنا المنتظر، بعدما تحولنا فى كتب التاريخ إلى أهداف حمر تستهدفها الثيران من كل حد. عبد الرازق أحمد الشاعر عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.