كانت لي تجربة منذ أكثر من عشرين عامًا مع أحد الأحزاب السياسية التي كانت تتربع علي عرش المعارضة للحزب الوطني آنذاك، واتفقنا على القيام بزيارة للأمانة العامة بالقاهرة، وكان برنامج الزيارة لقاء حواري مع السيد الباشا، رئيس الحزب الشرفي مدى الحياة، وكان لي الشرف أن خصني فريق الزيارة بأن أتحمل مسئولية إلقاء الأسئلة على السيد رئيس الحزب، وبعد أن انتهيت من إلقاء أسئلة الزملاء المرافقين لي في الرحلة جاء الدور على أسئلتي التي حددتها في سؤالين فقط الأول ما هي برامج الحزب في حالة حدوث أزمة للمياه (حيث كانت إثيوبيا بدأت تفكر في بناء سدود على النيل الأزرق)، والسؤال الثاني كان لماذا لا يشكل الحزب حكومة موازية، فكان رده أتريد أن نشكل حكومة موازية هل تعلم كم عدد نواب الحزب في البرلمان؟. تذكرت هذه الواقعة وأنأ أقرأ كثيرًا عن تشكيل بعض الأحزاب لحكومات موازية فلا أدري أهي نضج سياسي ضمن التفاعلات السياسية و التحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد بعد الثورة أم أنها بدعة مستحدثة!.
وإذا حملناها على المحمل الأول على اعتبار أنها أحد الصور السامية والنضج الواعي للحراك الديمقراطي والتي تدفع جميع الأطراف السياسية للعمل من أجل الوطن وتقديم كل ما هو أفضل مما يدفع بالحياة السياسية للأمام، حيث تعد بمثابة حكومة غير رسمية تمارس دورها في النقد البناء للحكومة الفعلية للبلاد، فهي تتشكل من حزب واحد أو عدد من الأحزاب المعارضة للحزب الحاكم تضم بداخلها أعضاء يمثلون كافة الحقائب الوزارية ممن يشرعون في اقتراح سياسات بديلة لسياسة الوزارات القائمة، ومن خلال هذه السياسات العملية تكتسب هذه الحكومة الخبرات الكافية وترتفع شعبيتها بشكل كبير، مما يؤهلها لخوض الانتخابات واجتيازها، مما يجعلها مؤهلة بشكل كبير لتولي الوزارة في حالة فشل الحكومة الفعلية في أداء مهامها.
والصورة المثالية لمثل هذه الحكومات نجده في بريطانيا، حيث دائمًا ما يشكل أكبر الأحزاب المعارضة أو مجموعة منها حكومة ظل أو موازية.
الصورة الأخرى من صور حكومات الظل من الجائز أن نسميها حكومات ظل مشوه الصورة ومقطعة الأوصال وأقصد هنا بالمشوهة التي لا تمتلك رؤى استراتيجية ولا أهداف محددة ولا تضع برامج قابلة للتنفيذ مستقبلًا إما كونها مقطوعة الأوصال فهي التي لا تتمتع بقدر معقول من الشعبية التواصل المجتمعي، مما يجعلها من الصعوبة بإمكان تشكيل حكومة مستقبلًا.
ومن أمثلة هذه الصورة المشوه لحكومات الظل ما حدث في الأردن حيث اكتفت حكومة الظل بالشعارات والمناكفة في البرلمان دون أن تحدث أي تأثير إيجابي على أرض الواقع فهي لم تسع لتقديم حلول جذرية للمشكلات الحياتية، كما أنها لم تسع لتقديم بدائل لحل المشكلات مما يجعلنا نقيم تجربتها بعدم بلوغها مرحلة الرشد السياسي.
وما نراه في مصر مؤخرًا أتصور أن فيه صورتان الأولى هناك من يتخذها كنوع من الدعاية الإعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع والثاني مناكفة ولمعارضة جماعة الإخوان المسلمين، ولتحقيق أغراض سياسية فقط، لأنه للأسف معظم هذه الحكومات مجرد حكومات على ورق، ولا يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي، خصوصًا أن الأحزاب التي تتبنى فكرة حكومات الظل ليس لها وجود في الشارع ولا يوجد لها صقل شعبي كبير وفعال كحكومات بعض الأحزاب القديمة أو التي خرجت للنور بعد الثورة، فهؤلاء أنشئوا مثل تلك الحكومات للدعاية و للشهرة ليس إلا، محاولين اختلاق أشياء جديدة كل فترة كبرلمان موازٍ أو دستور موازٍ أو حكومات موازية، وإن كانت حكومات الظل مؤثرة داخل طائفة معينة بالشعب المصري ألا وهي الطائفة المسيحية، لأن الكنيسة قد يكون لها تأثير بالشارع المصري ومستقلة بمواردها المالية، ولكن هذا النوع من الحكومات لا يتماشى من طبيعة المزاج السياسي المصري العام.