كنت أيام سجنى أدعم الإخوان من خلال بياناتى أثناء الحملات الانتخابية لمجلسى الشعب والشورى, باعتبار أن نجاحهم وحصولهم على نسبة من المقاعد تقلل من مفاسد الحزب الوطنى, وتكبح جماحه تحت القبة.. وكان هذا الدعم الإعلامى لا يروق لجهاز أمن الدولة المنحل, فكان يؤكد أن من أسباب عدم الإفراج عنى هو دعمى للإخوان, وكنت لا أكترث بذلك لأن دعمى لهم كان من منطلق واجب شرعى ووطنى, بصرف النظر عما كنت أسمعه من الهامسين فى أذنى الذين يؤكدون أننى أنتمى إلى فصيل منافس للإخوان, ولذلك فإنهم لن يسعوا إلى تبنى قضيتى, بل إن وجود الجماعة الإسلامية داخل السجون هو الاختيار الأفضل لهم!! وكنت وما زلت أقول إن جماعة الإخوان بها كوادر يمكن الاعتماد عليها فى العمل، ولكنى اليوم أضيف جديداً على هذه العبارة، ألا وهو أن هناك أيضاً على مستوى الساحة من يستطيع القيام إلى جوارهم بهذه المهام, خاصة أن مرحلة الثورة والبناء تقتضيان المشاركة وليس الانفراد الذى يؤدى فى النهاية إلى عدم القدرة على حمل المسؤلية بالكامل علاوة على حجم الانتقاد الواسع ضد من يعتمد هذا المنهج. وكنت فى الماضى أعتبر أن الإخوان هم الذراع السياسية للحركة الإسلامية تؤدى دورها فى ظروف صعبة مليئة بالأشواك والحسابات الدقيقة, فكانت مواقفهم تلقى قبولاً فى الشارع خاصة ضد نظام مبارك المستبد الذى كنا بحاجة إلى الحد من أوجه فساده وتجاوزاته, ولكننا بعد قيام ثورة 25 يناير تشكلت مجموعة من الأحزاب السياسية يحمل كل منها رؤيته التطبيقية للمشروع الإسلامى، وهو ما يفتح الباب أمام تنوع الطرح مع وجود المظلة الواحدة التى تضم الجميع, وبالتالى أصبح للحركة الإسلامية عدة أذرع سياسية تمارس دورها فى إطار القانون والدستور, إلا أننا لم نلحظ أداءً مميزاً تحت القبة نستطيع أن نقول إنه يمثل الرؤية الإسلامية للبرلمانى المسلم, خلا بعض المواقف من حزب البناء والتنمية فى مجال إنكار الذات والتسديد والتقريب ورأب الصدع, ولكن الحكم الإجمالى على هذا الأداء أسوقه فى شكوى رجل الشارع الذى استوقفنى ذات يوم، وقال إن الإسلاميين فى المجالس النيابية لم يختلفوا كثيراً عن البرلمانات السابقة، حيث رأينا الصياح والتشابك بالأيدى والفوضى وسط المقاعد, ولم يكن بوسعى إلا أن أعده برفع توصية إلى المسئولين لعقد دورات ثقافية لأعضاء المجلس حول الأداء الذى ينبغى أن يكون عليه عضو مجلس الشعب أو الشورى الذى يمثل الأمة. هذا ولقد كانت نصائحى المسداة إلى الإخوان أو الحكومة أو الرئاسة تأتى من منطلق الحرص على الوطن ومصلحة المواطنين وترتيب الأولويات وعقد المصالحة الوطنية, والتأكيد على أهمية الحوار مع كافة القوى الوطنية والسياسية كى نرسم خارطة جديدة لمشروع وطنى جامع نلتف حوله جميعاً, ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن, وشهدت الساحة ارتباكاً إدارياً كبيراً, ثم نزاعاً سياسياً لم يتم تداركه حتى الآن, وأصبح المطبخ السياسى الحكومى يقدم الوجبات الإجبارية للمواطنين دون أن يسأل عن ألوان الطعام التى يرغبون فيها، فرأينا الكثير من القرارات لا تلقى قبولاً والعديد منها يتم التراجع عنه كنتيجة مباشرة للرفض الجماهيرى الواسع, مما أدى إلى وجود حساسية ضد أى وجبة سياسية يقدمها مطبخ الدولة دون مشاورة شركاء الوطن حتى ولو كان فيها صالحهم!! أما الذى يدهشنى حقاً هو تكرار نفس الأخطاء الحكومية وكأنه لا اعتبار لتجربة مضت, أو أزمة وقعت, فنجد أن مشروعاً كبيراً مثل تنمية إقليم سيناء ومشروع محور قناة السويس لا يتم التشاور حوله مع القوى السياسية، وإنما نسمع عنه متسرباً فى وسائل الإعلام بشكل مفاجئ جعل بعض القوى السياسية تنتقده بناء على ما تم نشره وليس على الحقائق الواردة فى المشروع!! وأيضاً مشروع قانون السلطة القضائية يتم تجاوز القضاة فى إبداء الرأى حوله، حتى وإن كان المعروف أن المجلس النيابى هو المختص بسن القوانين, لكن كان من الضرورى تلافى هذه السلبيات قبل وقوعها. إن هناك من يؤكد لنا أن الإخوان لا تحب أن تعمل بنصائح أحد وتفضل أن تكون المقترحات من بنات أفكار أبنائها, وصادرة من أفواهها!! فإن صح هذا لا قدر الله فإن هذا الصنيع يضع فاعله فى المرتبة الدنيا من طبقات القادة الذين سيتحدث عنهم التاريخ, ولا شك أن الناظر فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم يتبين له أن هناك مراجعات عديدة ومشورات قدمها الصحابة لرسولنا الكريم فعمل بها وحفظتها لهم الأمة نصاً ونقلاً، كى تبقى أنموذجاً أمام كل قيادة تحتذى به فى مشاورة الأصحاب, وإدارة الأزمات, وجمع الكلمة, ووحدة الصف, وهذا يجعلنا نوصى دائماً بتوسيع دائرة اتخاذ القرار وتطعيمها بشخصيات جديدة تأخذ من الماضى العبر ولا يتكرر منها الخطأ, بل ولديها القدرة على معالجة السلبيات وتطوير الأداء. إن هذا هو الذى يريده رجل الشارع, فبالرغم من انحسار شعبية الإخوان إلا أن انحسار شعبية جبهة الإنقاذ أكثر وأكثر, فالمواطن العادى وإن كان مصدوماً فى إدارة الإخوان للدولة, فإنه يتمنى لهم التوفيق والنجاح فى حين أنه بات مستقراً لديه أن قيادات جبهة الإنقاذ أصبحت لا تصلح من وجهة نظره لقيادة البلاد تحت أى صورة من الصور, حيث لم يهتموا بمطالب الجماهير وحصروا الصراع فى دائرة السلطة وأحلام الوصول إلى كرسى الحكم. هذا ومازلت أرى أن الفرصة سانحة أمام الإخوان لاستعادة شعبيتهم ومعاونة مؤسسة الرئاسة فى إدارة شئون البلاد, وإدراك أسباب الخلل واستيعاب فقه اللحظة, ومعالجة السلبيات التى تقع من بعض قيادات الإخوان فى مجال التصريحات الإعلامية التى قد يفهم منها المواطن خطأ أن الإخوان هم الذين يديرون مؤسسة الرئاسة, كما ينبغى عليهم نزع المخاوف والشكوك من القلوب، خاصة أن هناك من يأخذ كل كلمة تصدر منهم ويوظفها لتشويه التجربة الإخوانية التى نأمل لها النجاح, فبالرغم من أن الجميع أصبح يعلم أن التجربة الإخوانية هى أحد التطبيقات الإسلامية, إلا أنه سيمسنا جميعًا أثر هذه التجربة، فعلينا أن نتعاون جميعاً من خلال ما طرحناه من نصائح تضمنها هذا المقال وغيره من الإسهامات التى سبق أن قدمناها وتقدمها القوى السياسية على الساحة كى نخطو نحو الفرصة السانحة للإصلاح والبناء والتعمير. وصلَّى الله على سيدنا محمد