منذ حوالى أسبوعين ، وعلى وجه التحديد فى اليوم الثالث من هذا الشهر (فبراير) ، وفى مدينة سوهاج، قام الرئيس مبارك بافتتاح طريق الصعيد البحر الأحمر، ضمن مجموعة أخرى من المشروعات التى افتتحت ( أو بالأحرى التى يفترض أنها جميعها قد افتتحت فى نفس اليوم )... وفى الكلمات التى ألقيت بالمناسبة تردد على لسان أكثر من مسئول أن هذا الطريق هو الحلم الذى طالما راود أبناء الصعيد عموما وأبناء سوهاج خصوصا على مدى أكثر من نصف القرن، وهو قول لا يخلو من الحقيقة، لكنه لا يمثل الحقيقة كاملة ، والأدق أن نقول إنه يمثل جزءا فقط من الحقيقة ..فالطريق الحلم الذى طالما حلم به أبناء سوهاج ليس هو بالضبط ما تم إنجازه، وإن كانت الأمانة تقتضى ألا نقلل من حجم الإنجاز الذى تم ، لأنه إنجاز حقيقى ، وهو بكل المعايير خطوة إلى الأمام ، يحاول بها الصعيد أن يخرج من سجن الوادى الضيق إلى الساحل الشرقى الذى يحلم الصعايدة كل الصعايدة بأن يكون منافسا للساحل الشمالى خاصة وأنه يمتلك من المزايا والإمكانيات السياحية ما لا يمتلكه الساحل الشمالى بحال من الأحوال ، فضلا عن ذلك الخزان من المياه الجوفية الذى يتيح استصلاح مساحات شاسعة من الأراضى على جانبيه، على أية حال فإن ما أنجز فعلا يقرب الحلم قليلا وإن كان لا يحققه، ولكى نقرب الصورة إلى القارىء فإننا نطلب منه أن يمسك بالخريطة وأن يحاول قياس المسافة بين أية محافظة من محافظات الصعيد وبين البحر الأحمر ، وسوف يجد أنها تبلغ فى المتوسط حوالى 160 كيلومترا ، أى أنها سوف تستغرق زمنا قدره ساعة ونصف الساعة فقط وربما أقل بكثير لوكان هناك طريق سريع مزدوج يشبه طريق: القاهرة العين السخنة مثلا والذى يتيح للمسافرين سرعة قدرها 120كيلومترا فى الساعة ، ومع هذا ورغم قصر المسافة بين أية محافظة من محافظات الصعيد والبحر الأحمر فإن هناك طريقا رئيسا واحدا فقط يربط ما بين البحر والصعيد ، ألا هو طريق قنا سفاجة ، أما الذى تم إنجازه وافتتاحه يوم 3فبراير فهو مجرد وصلة تربط مابين سوهاج وطريق قنا سفاجه ، الوصلة تتجه من سوهاج إلى الجنوب الشرقى بطول 250 كيلومترا ثم تلتقى بطريق قنا سفاجة حيث يتجهان معا إلى الشمال الشرقى نحو الغردقة بطول 70كيلومترا ، وهكذا يصبح طول الطريق الجديد من سوهاج إلى الغردقة عن طريق تلك الوصلة نحو 320كيلومترا ، وبذلك يتحقق وفر فى المسافة قدره أربعون كيلومترا تقريبا ، أقل من الطريق القديم : سوهاجقنا سفاجة الغردقة ، والسؤال الذى لا شك سوف يطرح نفسه على القارىء هو لماذا لا يتم إنشاء طريق مباشر يتجه شرقا من سوهاج إلى الغردقة بطول 160كيلومترا ما دامت هذه هى المسافة بينهما على الخريطة ؟ والجواب على ذلك ذو شقين أولهما هو أن هناك سلسلة من الهضاب تغطى ما يقرب من 25% من المسافة ما بين سوهاجوالغردقة مما يجعل شق الطريق خلالها مرتفع التكلفة ، أما الشق الثانى فهو أن الصعايدة مازالوا رغم هذا الإهتمام المحدود الذى بدأ يعبر عن نفسه فى السنوات الأخيرة، ما زالوا خارج بؤرة الإهتمام الحقيقى لصانعى القرار فى القاهرة ... دعك من كل هذا الضجيج الإعلامى الذى يحاول إعطاء الإنطباع بأن الصعيد قد أصبح فى صدارة الإهتمام ، فلو كان الأمر كذلك لما تم التخلى عن الطريق الحلم والإكتفاء بجزء ضئيل منه ، واعتباره بديلا عنه، الأدهى والأمر أن هناك من يستكثرون المبلغ الذى أنفق فعلا على الوصلة سالفة الذكر، ويستكثرون أية مبالغ قد تنفق فى المستقبل على الطريق الحلم، ومن بين هؤلاء مثلا الدكتور عاطف دردير أحد كبار المسئولين بهيئة المساحة ، الذى يرى أن اختراق سلسلة الهضاب أمر بالغ الصعوبة ولو كان سهلا لما تركها الإغريق والرومان ، ناسيا أن الإغريق والرومان لم يكن لديهم حفارات ولا متفجرات ، ولو كان لديهم لما تركوها بالقطع ، ولما كنا قد تأخرنا ثلاثة وعشرين قرنا من الزمان ولا نزال . [email protected]