اشتهر هذا المصطلح على ألسنة المصريين في السنوات الأخيرة.. وهو مصطلح طريف ظريف، مأخوذ من مشهد متكرر في حياة الشباب في مصر، حين يجلسون على المقهى، وقُبيْل انتهاء الجلسة يُثار الحديث عمّن سيدفع حساب المشروبات التي نزلت على المائدة، وهذا ليس بُخلاً، فالمصريون أهل كرم؛ وإنما بسبب الحالة المادّية المتعثّرة لكثير من الشباب، خاصة العاطلين منهم، مما يجعلهم مضطرين لاختيار ضحيّة لدفع ثمن المشروبات؛ فيأتي الردّ المأثور للضحية: (وأنا ذنبي إيه أحاسب على المشاريب دي كلّها؟!) ثم صار مثلاً متداولاً بين الشباب، وتعبيراً لكل شخص يدفع ثمن أشياء لا تجب عليه أن يدفعها.. أو أي شخص يتحمّل أخطاء لم يرتكبها.
لكن العجيب حقّاً أن هذا المصطلح أصبح الآن هو السمة الظاهرة لجميع أفراد المجتمع المصري من بعد الثورة وحتى الآن؛ إذ إن الذي يحاسب على المشاريب دائماً هو شخص ليس له أي ذنب؛ وما أصعب أن تتحمّل جُرم لم ترتكبه..
فصراعات النُخبة السياسية (المعروف عن أكثرها ركوب السيارات الفخمة والسكن في أرقى الأحياء) مع النخبة الحاكمة (والتي هي بين الطبقة العليا والطبقة المتوسّطة) يدفع ثمنها الطبقة الفقيرة من المصريين، الذين يعانون الأمرين في تحصيل لقمة العيش، والذين يفقدون وظائفهم يوماً بعد يوم؛ ومن لم يفقدها فهو مهدّد بين الحين والآخر بفقدها..
وأكثر المسؤولين الذين تولّوا مسؤوليّاتهم من بعد الثورة، والذين ليس بأيديهم تقديم إنجازات سريعة على أرض الواقع - نظراً لاستلامهم وزارات وهيئات ممتلئة عن بكرة أبيها (وأمها كمان) بالفساد- يدفعون ثمن أخطاء النظام السابق الذي جعل من الفساد والمحسوبية أساساً لكل شيء في مصر، ولله درّ من قال عقب التعديلات الوزارية الأخيرة: "من يتحدثون ويعلقون على التعديلات الوزارية، رفضوا الانضمام إلى تلك التعديلات لخوفهم من تحمل المسؤولية أمام الشعب، لإدراكهم أن المهمة ثقيلة".
.ووزارة الكهرباء الآن هي التي تدفع ثمن إهمال المسؤولين عن وزارة الكهرباء في النظام البائد الذين لم يقدموا أي خطوات جادة لبناء محطّات توليد جديدة لمواجهة زيادة معدّلات استهلاك الكهرباء التي تتنامى عاما بعد عام خاصة في فصل الصيف، علماً بأن بوادر الأزمة قد بدأت فعليّاً في نهاية رئاسة حكم المخلوع، والتي كان يدفع ثمنها المصريون الذين يعيشون خارج العاصمة والمدن الكبرى (أو بعبارة أخرى الغلابة الذين لم يكن لهم صوت مسموع إعلاميّاً) بمعنى أن الكهرباء كانت تنقطع تماماً في بعض هذه الأماكن لفترات تصل إلى نصف يوم، بدلاً من توزيع الانقطاع بالتساوي على جميع أحياء ومحافظات مصر كما هو الحال الآن، والذي يحاسب على المشاريب الآن هم المسؤولون في وزارة الكهرباء لأنه لا يوجد على المستوى القريب- حل ناجع لهذه المشكلة.. إذ إن بناء محطّات توليد كهرباء جديدة تحتاج قرابة الخمس سنوات.
• وضباط الشرطة الشرفاء الحاليون، الذين يعاملون معاملة سيئة من كثير من أفراد الشعب، هم الذين يدفعون ثمن أخطاء ضباط الشرطة الذين خانوا الأمانة قبل الثورة، وباعوا الشعب بثمن بخس لحساب نظام فاسد مستبدّ.
• وقطع الطرق الرئيسية من أصحاب المطالب الفئوية، لإدخال البلد في حالة شلل مروري تام؛ ظنّاً منهم أن هذا هو الأسلوب الأمثل لتوصيل صوتهم للمسؤولين، يدفع ثمنه جميع أفراد الشعب من موظّفين وطلّاب وغيرهم، حيث تتعطّل مصالحهم جميعاً.
• والإعلاميّون الذين يتقاضون رواتب سنويّة بالملايين؛ ليبثّوا يوميّاً على شاشاتهم كمّاً لا حصر له من الإحباط والكآبة والتي تعطي صورة سوداء قاتمة للخارج، يدفع ثمنها المغتربون المصريون الذين يتمنّون سماع خبر واحد يُضفي على حياتهم نوعاً من الأمل حين يقررون يوماً ما الرجوع إلى بلادهم، خاصة بعد حالات توطين الوظائف في البلاد العربية.
• بل وحتى من يكتب مقالاً - كهذا - يصف فيه حال البلد ويطلب القليل من التماس الأعذار، قد يلقى من السبّ والاتّهام بأنه من المبرراتية؛ مع أنه لم يصف إلا الواقع، لا أكثر.. فيكون بمقالته قد حاسب على مشاريب غيره أيضاً..
باختصار... يا عزيزي كلّنا نحاسب على مشاريب غيرنا!! إبراهيم لبيب