تواصلت ردود فعل العواصم الأوروبية على القرار المفاجئ، الذي اتخذته ليبيا بالتوقف عن إصدار تأشيرات دخول لمواطني الدول الأعضاء في فضاء شنغن. وفيما أعلنت برن استمرار سياسة التضييق على التأشيرات بحق الليبيين، تتّجه بروكسل إلى التحرّك من أجل وضع حدٍّ لهذه الوضعية التي تُلحِق الضّرر بمواطني 25 دولة أوروبية. وأعرب الاتحاد الاوروبي يوم الثلاثاء 16 فبراير عن أسفه لقرار ليبيا تعليق تأشيرات الدخول لمواطني دول الاتحاد في منطقة شنغن التي تضم 25 دولة اوروبية. وقال متحدث باسم المفوضية الاوروبية في إفادة صحفية معتادة "نأسف لهذا الاجراء...لان اجراءات تعطيل تسليم تأشيرات الدخول هي إجراء من جانب واحد وغير متناسب". وأضاف "نأسف حقا أنه حتى مواطنين من الدول الاعضاء في شنغن بالاتحاد الاوروبي كان بحوزتهم تأشيرة سارية مُنعوا من الدخول وأعيدوا". وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت يوم الاثنين 15 فبراير أنها تدرُس "ردّ فعل ملائم" على قرار طرابلس التوقّف عن منح تأشيرات دخول لمواطني البلدان الأعضاء في فضاء شنغن، وقالت سيسيليا مالمستروم، المفوضة الأوروبية المكلّفة بالشؤون الداخلية والهجرة: "إن المفوضية تستنكِر القرار الأحادي الجانب وغير المتلائم (المتخذ) من طرف السلطات الليبية". وأوضحت مالمستروم أنه من المقرّر إجراء مشاورات مع الدول الأعضاء والبلدان المشاركة في فضاء شنغن، من أجل "تقرير ردّ فعل ملائم، قبل موفى الأسبوع" الجاري. وكانت بعض البلدان الأوروبية، من بينها إيطاليا وفرنسا وألمانيا، قد نصحت منذ الإثنين مواطنيها بعدم التوجّه إلى ليبيا، إثر القرار المفاجئ، الذي أسفر عن إعادة عشرات المسافرين الأوروبيين بعد هبوط الطائرات التي كانت تقلهم في مطار طرابلس الدولي، بالرغم من استصحابهم لتأشيرات دخول قانونية إلى الجماهيرية. ردود فِعل إيطالية في سياق متّصل، اتّهم وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتّيني سويسرا ب "أخذ جميع بلدان فضاء شنغن كرهائن" في هذه القضية، ومع أنه أقرّ بوجوب مساعدة الكنفدرالية على "إيجاد حلٍّ لقضية ثنائية" (بينها وبين ليبيا)، إلا أنه اعتبر أن ذلك لا يجب أن يتمّ "على حساب" الجميع. وحسب روما، فإن القرار الليبي بعدم منح تأشيرات للمواطنين الأوروبيين (باستثناء البريطانيين، الذين لا تنتمي بلادهم إلى فضاء شنغن)، يُمثِّل إجراءً انتقاميا على قرار يحظرُ دخول 188 مسؤولا ليبيا إلى سويسرا. وفي حديث نشرته يوم الأربعاء 16 فبراير صحيفة "لاستامبا" الإيطالية، صرّح وزير الخارجية الإيطالي أن الإستراتيجية السويسرية تُسيء إلى جميع دول فضاء شنغن، وزعم فرانكو فراتّيني أن سويسرا لم تُدرج على قائمتها السوداء مرتكبي جرائم أو أشخاصا خطرين ومبحوثا عنهم مثلما تنص على ذلك اتفاقية شنغن، بل القائد القذافي أو وزير الشؤون الخارجية". وأضاف الوزير الإيطالي " لا يجب أن تتحول شنغن إلى وسيلة ضغط لسويسرا فهناك وسائل أخرى لحل المشاكل الثنائية مع ليبيا"، مضيفا بأن رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني دعا السلطات الليبية إلى العودة عن قرارها، ومعبِّرا عن انشغاله بالتطورات الجارية وكشف أن بلاده تقدمت بعدُ بطلبٍ لمناقشة هذه المسألة في اجتماع تعقده "لجنة شنغن" يوم الخميس 18 فبراير الجاري في العاصمة البلجيكية. في المقابل، أعلن فراتّيني عن مقترح ستتم مناقشته في الاجتماع المقبل لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذي يلتئم يوم الاثنين 22 فبراير في بروكسل يقضي ب "منح تأشيرات للمواطنين الليبيين، تسمحُ لهم بالدخول إلى بلدان فضاء شنغن، باستثناء سويسرا". برن مصرة على موقفها على صعيد آخر، أمسكت الخارجية السويسرية عن التعليق على تصريحات الوزير فراتيني لكنها جددت تمسك برن بسياستها التضييقية في مجال التأشيرات تجاه المواطنين الليبيين رغم الإنتقادات الإيطالية. وأوضح أدريان سولبرغر، المتحدث باسم وزارة الخارجية في تصريح لوكالة الأنباء السويسرية، أن "سويسرا تواصل انتهاج سياسة تضييقية في مجال التأشيرات". وكانت سويسرا شددت سياستها فيما يتعلق بمنح التأشيرات تجاه ليبيا في الخريف الماضي إثر إقدام السلطات الليبية على اختطاف رجلي الأعمال السويسريين المحتجزين في الجماهيرية والإحتفاظ بهما في مكان غير معلوم لفترة استمرت 52 يوما. من جهة أخرى لم تعترف الكنفدرالية رسميا بوجود هذه القائمة السوداء (التي ذكرت صحيفة "أويا" المقربة من سيف الإسلام القذافي يوم السبت 13 فبراير أنها تشتمل على 188 اسما من بينهم العقيد القذافي وأفراد عائلته وعدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والإقتصاديين) لكن الأوساط المعنية في برن تؤكد أن المبادرة السويسرية حصلت على موافقة الدول الأخرى الأعضاء في فضاء شنغن. وكانت ليبيا هدّدت قبل عدة أسابيع، بتشديد سياستها في منح التأشيرات، وخاصة تجاه رجال الأعمال ومدراء الشركات الأوروبية العاملة فوق أراضيها، وجاء ذلك في سياق الردّ على التشدّد الذي مارسته برن منذ شهر أكتوبر 2009 في شروط منح تأشيرات شنغن للمواطنين الليبيين، جرّاء رفض طرابلس التعاون في ملف المواطنين السويسريين المحتجزين في ليبيا منذ أكثر من عام ونصف. ومنذ ذلك الحين، لا تمنحُ السلطات السويسرية تأشيرات من هذا القبيل إلا "بصفة استثنائية وفي حالات خاصة". وسبق لبرن أن طلبت في شهر نوفمبر 2009 من الدول الأعضاء في فضاء شنغن، تطبيق سياسة تأشيرات تضييقية تجاه الطلبات الواردة من ليبيا. وفي ذلك الشهر، رُفِضت تأشيرات لرئيس الوزراء الليبي ولعدد من كبار المسؤولين، وهو ما دفع خالد قايم، نائب وزير الخارجية الليبي آنذاك إلى التنديد بما أسماه "تضامنا منهجيا ومُبرمجا مع سويسرا" من طرف الأوروبيين. حمداني وغولدي.. في الإنتظار! ومن الناحية المبدئية، يحِق للمتحصِّلين على تأشيرة شنغن التنقّل بحرية بين البلدان الأعضاء، إلا أنه يُمكن لكل بلد عضو على حِدة، أن يحظُر دخول أراضيه على أشخاص محدّدين، مثلما فعلت سويسرا فيما يتعلّق بليبيا. من جهة أخرى، تتوفّر الدول الأعضاء على حقّ الاستشارة والفيتو بخصوص منح تأشيرات شنغن، وتبعا لذلك، يُمكن لها أن تمنع بعض الليبيين من السفر إلى أي مكان في فضاء شنغن، الذي يشمل 25 بلدا في القارة الأوروبية. وكما هو معلوم، فإن طرابلس تحتجز منذ إيقاف شرطة جنيف لهانيبال القذافي في منتصف يوليو 2008، رجُلي الأعمال السويسريين ماكس غولدي ورشيد حمداني بعد أن وُجِّهت لهما اتهامات ب "الإقامة غير المشروعة" و"ممارسة أنشطة اقتصادية غير قانونية". وفيما تمّت تبرئة رشيد حمداني من جميع التهم الموجّهة إليه يوم 7 فبراير، إلا أنه لا زال ينتظر استعادة جواز سفره والحصول على تأشيرة خروج، كي يتمكّن من مغادرة الأراضي الليبية. في المقابل، خفّضت محكمة استئناف يوم الخميس 11 فبراير الحُكم الصادر على ماكس غولدي، من 16 إلى 4 أشهر سِجنا بتُهمة الإقامة غير المشروعة، فيما حُكم عليه سابقا بدفع غرامة (800 دولار) في القضية الثانية. المصدر: سويس انفو ووكالات