معظم المدارس الأجنبية والخاصة في مصر أقامت حفلات لطلابها في مناسبة ما يعرف بأنه عيد الحب، وهو العيد الغربي الذي أصبح يومًا يحتفل به في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتخصص وسائل الإعلام حيزًا كبيرًا من برامجها للاحتفال به..! وبعض هذه المدارس في منطقة التجمع الخامس والقاهرة الجديدة والزمالك والمعادي أنفقت عشرات الآلاف من الجنيهات من أجل شراء الشيكولاتة والزهور التي وزعت على الطلاب في هذه الحفلات بالإضافة إلى وجبات الطعام الفاخرة. والطلاب الذين حضروا هذه الحفلات وغنوا ورقصوا وتبادلوا الهدايا والقبلات كانوا تعبيرًا عن الفجوة القائمة في المجتمع بين الأثرياء والفقراء، بين من يملكون كل شيء، وبين من لا يعرفون ما هو معنى كلمة التملك..! ولقد كنا نأمل لو أن هذه المدارس التي انتشرت في بلادنا بكثرة والتي تحقق أرباحًا ومكاسب مالية ضخمة قد اهتمت بالبعد الاجتماعي ومراعاة شعور الآخرين وسعت في ذلك إلى تدريب وتعليم الطلاب على عدم استفزاز فئات أخرى معدمة في المجتمع، وقامت بواجبها في التقريب بين طلابها وبين واقع المجتمع الذي يعيشون فيه ويتعاملون معه. وكان الأجدر على القائمين على هذه المدارس أن يعلنوا أن حفلات عيد الحب لهذا العام سوف يتم توجيه مصاريفها وعائداتها لصالح منكوبي السيول في مصر أو حتى لصالح أي جمعية خيرية تعمل في سبيل رفع المعاناة عن البؤساء، أو لبنك الطعام من أجل تقديم وجبات مجانية للجائعين في كل مكان. ولو فعلت هذه المدارس ذلك لكانت بهذا تؤدي رسالة اجتماعية هامة لتعليم طلابها معنى التكافل ومعنى التراحم ومعنى الحب والمودة، فالحب لا يرتبط بوردة وشيكولاته و"دبدوب" وعبارات هيام وغرام، ولكن الحب هو الذي يمنحك القدرة على تنشر السعادة بين الآخرين وتمسح دمعة المحرومين والمحتاجين لينتقل الصفاء والنقاء إلى كل القلوب بما ينعكس على المجتمع كله بالأمان والاستقرار. ولكن يبدو أن الأجانب الذين يريدون هذه المدارس أو يفرضون وصايتهم عليها، والذين يتقاضون مرتبات خيالية بعملة بلادهم لا يدرون شيئًا عن المجتمع الذي يقيمون به ولا يكترثون لحالة الغليان والفقر والجوع التي تنتاب بعض طبقاته، ولا يعرفون أن هناك من يموت الآن في سبيل الحصول على إسطوانة بوتجاز أو رغيف خبز..! إن هذه الحفلات وما شابهها لا تساهم إلا في تعميق الأحقاد الطبقية وتفتح الباب لكراهية متزايدة، وتجعل المجتمع مهددًا بانقسام حاد يمهد الطريق لكل أعمال العنف والتطرف. إن الأمل مازال قائمًا في أن هذه المدارس التي يحاول وزير التعليم الجديد إجبارها على أن يكون هناك تحية لعلم مصر في طابور الصباح سوف تدرك أنها مدارس تخضع للقوانين والاعتبارات المصرية، وأنها لابد أن تكون جزءًا من منظومة المجتمع بكل تقاليده وعاداته وجذوره، فنحن نرحب بالانفتاح على الثقافة والتعليم الغربي، ولكن في إطار خصوصية هذا المجتمع، وإفراز أجيال جديدة من المنفتحين على الثقافة الغربية دون أن يكونوا غرباء في بلادهم.. ولا ينتمون إلينا..! [email protected]