ما يفعله الزميل صلاح عيسى بنشر محاضر التحقيق مع الدكتور محمد بديع المرشد العام الجديد للإخوان المسلمين عمل غير أخلاقي بامتياز ، وذلك من وجوه متعددة ، لعل أولها وأهمها أنه ليس من أخلاق "الأحرار" أن يشهروا بالخصوم السياسيين بناء على أقوال أو تحقيقات من محاكم عسكرية أو محاكم استثنائية يعلم القاصي والداني كم مبلغ التزامها بمعايير العدالة ، ولو كان صلاح عيسى نفسه أمام نفس جهات التحقيق في قضية تنظيم 65 وطلبوا منه الاعتراف بأنه تآمر على قتل عبد الناصر أو أنه تدرب على السلاح وتآمر على أي شيء وكل شيء فإنه سوف يقر ويعترف ويكتب بخط يديه اعترافاته كاملة ، المعتقل الذي كان يرى الجحيم في السجن الحربي ، ويعلم أنه إذا لم يتكلم بما هو مطلوب منه أمام جهة التحقيق فإن جهة التحقيق ذاتها سوف تسلمه إلى "الزبانية" من أجل أن "يعدلوا مزاجه" بحيث يتكلم بالحقيقة كاملة ، ويعرف صلاح عيسى كما يعرف صاحب هذه السطور أن بعض جهات التحقيق في قضايا سياسية عديدة مع الأسف كانت تهدد المتهمين صراحة بأنهم إذا لم يعترفوا بما هو منسوب إليهم فإنهم سوف يعيدونهم إلى "الجلادين" من أجل أن "يفوقوهم" ، ففي مثل هذه الأجواء اللاإنسانية والتي لا تتصل بالعدالة بأي نسب ولا حقوق الإنسان ولا حتى الحيوان ، عندما يأتي كاتب يحترم نفسه ويحترم قارئه وينشر مثل هذه "الجرائم" المنسوبة إلى العدالة ، والعدالة منها براء ، لكي يشوه خصمه السياسي ، فإنه يكون قد ارتكب عملا غير أخلاقي بكل تأكيد ، والحقيقة أن خصوم صلاح عيسى نفسه لو أرادوا أن يستخدموا مثل هذا الأسلوب معه فإنهم سوف يؤلمونه ويشوهون تاريخه هو وأسرته بالكامل ، ويكفي أن نستخرج للزميل صلاح عيسى محاضر الضبط ومحاضر التحقيق في أحداث 17 ، 18 يناير 1977 ، التي ذكرت أن الجهات الأمنية ألقت القبض على صلاح عيسى هو وزوجته أمينه النقاش وفي أيديهم "جراكن البنزين" يشعلون النيران في محلات الملابس في ميدان الأوبرا القديمة بالعتبة ، وسبحان مغير الأحوال ، أصبح صلاح عيسى بعد ذلك على "حجر" الحكومة ، لدرجة أنهم جعلوه رئيسا لتحرير صحيفة وزير الحزب الوطني رسميا مع أنه عضو في حزب معارض ، أو هكذا يفترض ، لا أريد أن أدخل في تفاصيل نشر هذه المحاضر قبل حملة الاعتقالات التي طالت قيادات بارزة في الإخوان المسلمين ، وأن الاتهامات الموجهة إليهم تنحصر تقريبا في نفس اتهامات تنظيم 65 ، وهو توافق يصعب أن يمر على أي قارئ بدون لفت انتباهه ، وقد تكررت مواقف مشابهة من نفس الصحيفة بالتوافق مع حملات اعتقال للإخوان ، سيناريو متكرر ، هذا ليس موضوع هذا المقال ، وإنما موضوعه يتعلق بأخلاقيات الصحفي أو المؤرخ أو السياسي أو الحقوقي أو أي مشتغل بالشأن العام ، وعملية التأريخ التي يتستر البعض خلفها أحيانا لها شروط أخلاقية ، منها أن لا تطرح ملفات القضايا في سياق التحريض على الخصوم السياسيين ، ومنها أن لا تعرض بعض الملفات مبتورة عن سياقها وعن الأجواء التاريخية المحيطة بها ، وأهمها توضيح ما إذا كان المناخ السياسي والحقوقي لحظتها يحقق الضمانات الأساسية للمتهمين أو الموقوفين ويضمن لهم محاكمة عادلة وقضاءا عادلا بدون تعذيب أو إكراه ، ومنها أن لا تعزل أقوال منسوبة إلى الموقوفين أمام جهات تحقيق أو ضبط أو غيرها عن بقية آراء وتصريحات وأقوال نفس المتهمين أمام المحاكم وجهات التحقيق المختلفة وحتى عن تصريحاتهم السياسية والإعلامية التي قالوها بعد ذلك ، وبعد أن رفعت عنهم قيود القهر والخوف والبطش والاستبداد ، وهذا كله منتفي تماما عن ما فعله صلاح عيسى ، مؤسف جدا أن يمارس الصحفي دور "الناضورجي" للغزوات الأمنية . [email protected]