لا شك أن ثورة الشعب المصري في 25 يناير جاءت امتدادًا لسنوات طويلة من نضال المصريين ضد الفساد والاستبداد ومثلت تتويجًا باهرًا للتضحيات التي بذلتها طليعة الشعب المصري في سبيل نيل الحرية والكرامة الإنسانية المنتهكة على أيدي المنظومة العسكرية والأمنية القمعية التي هيمنت لستة عقود مظلمة منذ انقلاب العسكر في يوليو 52 و حتى تسلم السلطة للمرة الأولى في التاريخ رئيس مدني منتخب في يوليو2012. كان الأمن السياسي هو رأس حربة أنظمة يوليو في قمع المصريين وإهانتهم والتنكيل بمن ينتشرون في ربوع مصر ساعين للإصلاح والبطش بمن يعارضون النظام ويكشفون فساده واستبداده وخطاياه، وتطورت تلك الأجهزة القمعية من المباحث الجنائية العسكرية في حكم ناصر وعامر إلى جهاز المباحث العامة في عهد السادات ثم إلى جهاز أمن الدولة في عهد المخلوع، وهو الجهاز الذي حكم مصر في العشرين عامًا الأخيرة فتقاريره ليس لها معقب، وهو المتحكم في جميع التعيينات بالدولة من أصغر الوظائف إلى وكلاء النائب العام والعمداء ورؤساء الجامعات بل والوزراء!! اخترق أمن الدولة الجامعات والهيئات والمؤسسات التنفيذية المختلفة وزرع عملاءه في الجمعيات الأهلية والنقابات والأحزاب كي يسيطر عليها، أما إذا استعصت على الاختراق و تصدت لفساد مبارك فيتم تفجيرها من الداخل كما حدث مع حزب العمل عام2000، هذا بخلاف التجسس على المصريين وتلفيق القضايا الوهمية للشرفاء، فليس من قبيل المبالغة أن نؤكد أن ممارسات زبانية أمن الدولة مثلت أهم دوافع فوران الثورة المصرية، لذا لم يكن من الغريب أن تندفع الجماهير الثائرة لمهاجمة مقار أمن الدولة بالتوازي مع مقار الحزب البائد، بل إن اقتحام مقار أمن الدولة مثل الوجه الحقيقي لنجاح ثورة قامت بالأساس ضد الطغيان والاستبداد. كان الإسلاميون وما زالوا هم الهدف الأساسي لاضطهاد هؤلاء الزبانية لكونهم المعارضة الأكبر حجمًا والأكثر تأثيرًا وخطرًا على بقاء النظام، لذا فقد دفع الإسلاميون بكافة طوائفهم من جهاديين وسلفيين وإخوان فاتورة البطش والقمع ما بين سجن وإقصاء وتعذيب واغتيال، وكان الرئيس محمد مرسي واحدًا ممن نالهم الاعتقال والسجن حين اعتقل لسبعة أشهر في مايو 2006 لمشاركته في مظاهرات استقلال القضاء قبل أن يتم اعتقاله بدون أمر قضائي فجر 28 يناير2011 أملًا في تعطيل خوض الإخوان وحشدهم لجمعة الغضب في أوج الثورة المصرية، ونال أبناؤه أيضًا نصيبًا طويلًا من الاعتقال في قضايا سياسية ملفقة في 2004 حينما كان د.مرسي رئيسًا للكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب (2000-2005). أما فرم مستندات أمن الدولة فكان طمسًا لكثير من الجرائم التي يشيب لهولها الولدان، ونذكر منها حين اكتشف الثوار عظام بشرية في مقبرة بأمن الدولة بدمنهور بعد أن اقتحموه في مايو2011، وتم تقديم بلاغ عن مفقودين منذ عدة سنوات يرجح أنهم استشهدوا جراء التعذيب الوحشي في سلخانة أمن الدولة بدمنهور (أما نائب مبارك عبد المجيد محمود فلم يحرك ساكنًا إزاء هذه البلاغات)، وهذا غيض من فيض وما خفي في أضابير لاظوغلي ومدينة نصر وسجون العقرب وبرج العرب وغيرها كان أدهى وأعظم. لذا فإنه من الواجب على كل من ناله اضطهاد أو تعذيب على يد هؤلاء أن يتقدم ببلاغ للنائب العام يطالب فيه بالقصاص من هؤلاء الزبانية كي ينالوا عقابهم وليصبحوا عبرة لمن يعتبر. إن الإصلاح الجذري لمنظومة الداخلية وتفتيت هياكل الإرهاب البوليسي يُعد واجب الوقت فهو معيار النجاح الحقيقي للثورة، ولن تنجو الثورة المصرية إذا نجا هؤلاء من الحساب، فجهاز الأمن الوطني وريث أمن الدولة ما زال بنفس العقلية المريضة ولا غرابة فهؤلاء أعداء للحرية وللديمقراطية وهم قادة الثورة المضادة الدائرة الآن بإشرافهم عبر ميلشيات البلطجبة التي صنعوها على أعينهم، وليس من الغريب أن نراهم يخططون ويعملون ضد الرئيس الشرعي المنتخب، ومن المؤكد أن الرئيس مرسي يدرك تمامًا خطورة استمرار تلك المنظومة القمعية الفلولية، ودورها في البلطجة المنظمة التي تستهدف أمن المواطن المصري كي يستمر الشعور بفقدان الأمان بينما تتولى فضائيات الثورة المضادة إثارة الرأي العام ضد الرئيس والحكومة. نستطيع أن نلتمس العذر للرئيس وأن نقدر حجم الفساد الذي يواجهه في المنظومة الأمنية التي يقف جزء كبير منها ضد الديمقراطية والحريات وضد انتخابه بصفته إسلاميًا، وهو ما ظهر بجلاء أثناء أحداث الاتحادية في نوفمبر الماضي، لكننا نهمس في أذن الرئيس أنه لا مفر من تطهير بل ونسف تلك المنظومة القائمة على قمع الحريات والتي بدأت تعود لسيرتها الأولى في تعقب النشطاء الإسلاميين !!! لاسيما مع عودة ممارسات القمع والقضايا الملفقة على يد الأمن اللاوطني التي دللت على أن الاصلاح لن يفيد، ولأن آخر الدواء الكي فالأجدى هو نسف تلك الأجهزة وإعادة تأسيسها على مبادئ الثورة لتجمع بين الحفاظ على أمن الوطن وبين احترام حقوق وحريات المواطنين، أما الوثوق بأمثال هؤلاء فلن يجدي نفعًا.... وقديمًا قالوا : ( كيْفَ أُعَاوِدُكَ وَهَذَا أَثَرُ فَأَسِكَ ). @ShahinFawzy