تحت شعار ليس خفيًا على أحد مفاده هيا بنا نسقط الرئيس في عامه الرئاسي الأول تسري الآن موجة عارمة من الغضب الشعبي ممثلة في حملة تمرد التي تقوم بجمع توقيعات وتوكيلات من المصريين بطوائفهم وفصائلهم كافة لإعلان التمرد الشعبي الغاضب ضد الرئيس الدكتور محمد مرسي باستثناء جماعة الإخوان المسلمين وعدد ليس بالقليل من التيارات والائتلافات الدينية ذات الطابع السياسي. ويعتقد رواد حملة التمرد الشعبي أن مسألة سحب الثقة من رئيس هو في الأساس شرعي وشعبي أي جاء بإرادة شعبية منتخبة أمر لا يعد يسيرًا لذا فهم يأملون في أن تكون صفوف وطوابير المتمردين أو المنضمين للحملة ستفوق أعداد المنتظمين في طوابير انتظار رغيف الخبز منذ سنوات أو انتظار أسطوانات الغاز حاليًا. وإذا كانت حملة تمرد تسعى إلى جمع ما يقارب الخمسة عشر مليونًا من التوقيعات فإن هذا يعد بمثابة الإعلان أو الإنذار الأول على يد محضر شعبي لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة هذا كله يحدث تحت مرأى ومسمع القوى السياسية ووسط ترقب أكثر حذرًا وصمتًا وتأملًا للمشهد السياسي من قبل المؤسسة العسكرية التي تحتفظ الأيام الراهنة برصيد استثنائي من القبول والتأييد بل والمناداة بضرورة النزول إلى الشارع والانضمام إلى صفوف المتمردين إسقاطًا للنظام الحاكم. وفكرة التمرد الشعبي لم تكن جديدة على مصر لأن الشعب المصري بحكم طبيعته الاستثنائية أيضًا مرورًا بتراكم الحضارات المتواترة عليه جعلته أكثر قبولًا لفكرة الرفض وإن بدا هذا الرفض بطيئًا ووئيدًا أيام حكم المؤسسة العسكرية على مصر منذ قيام ثورة يوليو 1952، وعادة ما لجأ المصريون إلى فكرة إعلان تمردهم على الحاكم حينما يرون أنه وجهازه النظامي الرسمي غير قادر على إدارة شئون البلاد، وتسيير المصالح وإتمام مهام الرئاسة بكفاءة وقدرة تشبه الساعة السويسرية المنتظمة بغير خلل أو عطب. وقد حدث هذا منذ عهد أحمس الذي عرف في التريخ المصري كما تقول كتب وزارة التربية والتعليم غير المطورة والمهملة لقواعد تنمية التفكير والذكاءات المتعددة بأنه طارد وقاهر الهكسوس. والتمرد الشعبي في مصر يضرب بجذوره بعيدًا في تاريخها، ومثل تمرد المماليك في حياة حكم الدولة العثمانية على مصر أقوى حركات التمرد وإن لم يكن شعبيًا خالصًا وكان يشوبه بعض من المصالح والمنافع الشخصية لضباط وجند المماليك، وكان هذا التمرد نتيجة طبيعية لاستيلاء العثمانيين على مصر شعبًا وأرضًا، ويذكر التاريخ الشعبي للتمرد في مصر حركات مقاومة عديدة قام بها شيوخ القبائل مثل حركة الشيخ عبد الدايم بن بقر التي قادها في إقليمالشرقية آنذاك ضد خاير بك والي مصر، والذي يلتقط تاريخ العثمانيين في مصر قد يتعب ذهنيًا من كثرة حركات التمرد ضد السلطة الحاكمة والتي باء جميعها بالفشل والنكوص والارتداد للخلف، إلا أن سمة الغضب والتمرد ذاتها لم تتقهقر ولم تتوار بعيدًا عن أذهان المصريين أنفسهم. ولعل أبرز مظهرين من مظاهر التمرد الشعبي تجاه المؤسسة الرئاسية في العصر الحديث ما عرف بانتفاضة يناير 1977 التي كان لطلاب الجامعة دور بارز وقيادي ومؤثر ضد قرارات الرئيس والزعيم البطل محمد أنور السادات الاقتصادية، والمظهر الثاني حينما خرجت طوائف مصر إلا قليلًا ضد مبارك ومشروع توريث نجله جمال والذي انقضى بإسقاط مبارك ورحيله نهائيًا عن مشهد السلطة وإن لم يكن رحل بعد عن المشهد السياسي لأنه شريك قوي فيما حدث للمصريين من انقسامات وفرقة وتطاحن وتصارع سياسي بعد الثورة التي يصر كثيرون اليوم على تغيير اسم الثورة إلى أسماء أخرى مثل الانتفاضة الشعبية أو الوقفة الاحتجاجية. وإذا كانت هناك أصوات متعددة تلمح تارة وتصرح تارة أخرى بعدم شرعية هذه الحملة الموجهة لإسقاط الرئيس وأنها في الوقت ذاته حملة عبث وفوضى تطيح باستقرار وأمن البلاد والعباد، فعلى الشاطئ الآخر من المشهد السياسي من يرى أن الحملة قانونية وشرعية ونموذجية تعبر عن الحياة الديمقراطية عقب ثورة يناير إعمالًا بالمادة الدستورية القائلة بأن السيادة للشعب. أي أننا أمام صورتين متمايزتين؛ الأولى تؤيد الاستقرار السياسي الرسمي ولكن تحت مظلات متعددة مثل الانتماء الأيديولوجي لفكر الرئيس الحاكم أو أن النظام الحاكم هو الوجه المعبر عن الحكومات الإسلامية التي ينبغي أن تسود المنطقة، أما الصورة الثانية فهي صورة ترى عدم صلاحية الرئيس للحكم في هذه المرحلة التي لا تظل انتقالية، ويبدو أن الخاسر في المعركة هو الوطن ذاته الذي يتحمل كل المعارك والمساجلات التي لا دخل له فيها ولكن قدر مصر ومصيرها أن تظل دائمة منطقة استثنائية جغرافيًا وتاريخيًا وسياسيًا أيضًا. والمستقرئ لحملة تمرد التي بدأت تجتاح المحافظات بصورة ملفة للنظر أن الحملة وإن كانت تدعي أنها موجهة لسحب الثقة من الرئيس محمد مرسي العياط إلا أنها في حقيقة الأمر موجهة ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث إن الذين وقعوا على بطاقات واستمارات سحب الثقة هو بالفعل في حرب سياسية ضد الجماعة وسياساتها ظنًا أو يقينًا منهم بأن الجماعة ومكتب إرشادها هي المسيطرة على الوطن وأن ثمة محاولات تكرس لأخونة المؤسسات والهيئات في مصر، هذا بخلاف ما يسيطر على شباب الحملة من أن ثورتهم وئدت على أيدي الجماعة لاسيما وأن المشاركين في إحداثيات ثورة يناير لم ينالوا القدر الكافي من الاهتمام هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أنهم رأوا كيف أن الجماعة هي التي استفادت فقط من مكتسبات الثورة دون بقية التيارات المنظمة أو الفردية التي قامت بالثورة نفسها. واستنادًا إلى لغة العلم فإن المظاهر التي تسود المشهد السياسي هذه الأيام يمكن توصيفها بالهدر أي فقد الطاقة بصورة من الصعب إعادة إنتاجها مرة جديدة لأن الفكرة المسيطرة على كلا طرفي النزاع هي فكرة الانقلاب على الآخر، وهذا يدعو بحق إلى الشفقة على عقول المتنازعين بحق الوطن لأن أطراف الصراع السياسي كافة ترى في غريمه أو غرمائه صفة الخيانة لا مزية المشاركة في الوطنية والمواطنة، الأمر الذي يفرض على أصحاب كل توجه حزمة من الممارسات التي تظهر في الرفض المطلق انتهاء بالتعبير عن الغضب بصورة عدوانية غير حضارية.