طلب الحلال واجب على كل مسلم، لأن الذي يطلب الحرام يكون بغيضًا لدى الناس، إذ تثور حوله الضغائن وتشتد بإزائه الأحقاد، فالمرابي والمغتصب والمرتشي إذا كثر ماله وأخذ مظهر الثرى المتنعم كان موضوع سخط وحقد ومثار غيظ، فإذا كثر هؤلاء الذين أثروا من طريق الحرام، كانوا عامل اضطراب، ومثار شقاق، والحياة في منطقها المعقول لا تكلف الناس شططًا في الإنفاق، حتى يتهوروا في اصطياد الحرام من كل طريق، ولكن الشره يدفع ذوي الحرام إلى اقتناص الحرام من كل سبيل، وقد ألهمت النفوس حب المال فخيف عليها الاندفاع في سبيله إلى حيث تكدر موارده، فالتطلع إلى المال قد يدفع غير الذاكرين المخلصين إلى تجاوز منطقة الحلال إلى طلب الكسب من مناطق الحرام كالربا والغش والسرقة مما يعتبر أكلًا لأموال الناس بالباطل، وقد حذر الإسلام من السقوط في تلك المهاوي المهلكة، وقد أباحت الشريعة كل أنواع الطيبات وقصرت الحرام على كل خبيث ضار فالساعي في طلب الحرام يضر نفسه في الآجلة حين يحملها ضروبًا من المتاعب في سبيله، أما ضرر الآخرة فمحتوم لمن لم ينه نفسه الأمارة بالسوء عن مزالق الغي وموابئ الفساد، الشهوات المحرمة ميدان متسع المنافذ، فإذا اتجه إليها طالب الحرام وجد طريقًا شاسعًا يكد جسمه ويرهق نشاطه، وفي طلب الحلال رضا وراحة، لأن بارئ النفوس قد عرف أن صلاحها في الابتعاد عن مثيرات الضغائن، وبواعث القلق والخوف، كما ألهم ذوي الضمائر الحية طريق الحلال، فهم يتبينون في ضوء فطرهم السليمة ما يهدي إلى الخير فيندفعون إليه، كما يعرفون بوحي من هذه الفطر النقية ما يوبق في الشر من أبواب الحرام فينصرفون عنها غير آسفين، لذلك نجد طالب الحلال يستشعر برد الراحة في حياته فلا ينغصه كدر، أو يعصف به توجس أما صاحب الحرام فعلى مثل مهب الريح من القلق والتوجس إذ يحس في أعماقه أنه بعيد عن ربه حين خالف ما أمر به من الكسب الحلال بعيد عن الناس إذ رأوه يغنم أوبئة الفساد فيمتص دماء الكادحين لتكون وبالًا عليه في الآخرة وإن أسعفت ببعض البهجة في الحاضر الكريه، فالإنسان بصير بمواقع أقدامه لأن الحلال كما قال نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام:( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ألا وأن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد وإذا فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب)، والحرص على طلب الحلال، والتحرز عن الحرام مع مبالغة مفرطة تدفع إلى التحاكم والاختصام وقد علق عليها بعض الكاتبين فقال إن سعادة هذين المتخاصمين ليست في الذهب المكتشف في كنز الأرض ولكنها في اكتشاف الكنز الخفي في نفسيهما كنز القناعة الراضية والحرص على المال من وجهه الحلال وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وكثير من المسلمين لا يؤدون حق الله فيه، وعجب كل العجب لمن يؤدي الصوم والصلاة ولا يؤدي الزكاة مع أنها كلها فرائض محتومة، على أن الغني الذي يؤدي الزكاة يعيش رضي النفس، هادئ البال لأن الله يحبه، ولأن الناس تحبه فلا يقربه أحد بسوء، بل يحرص جيرانه على زرعه ومواشيه، لأنهم يحسون في أعماقهم أن ماله ليس وقفًا عليه بل هو للفقراء والمساكين وابن السبيل، والسعي في طلب الرزق واجب يتحتم أداؤه بعد واجب الصلاة كما يراه ابتغاء من فضل الله، وقد أعقب بذكر الله ليكون طالب الرزق حذرًا من الحرام راغبًا في الحلال. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]