يتساءل الكثيرون متعجبين: لماذا تفشت الأمراض والآفات والأوجاع، وتأخرت استجابة الدعوات، ونُزِعَت البركات وقلت الخيرات فى عالمنا العربي؟!.. ولماذا ينعم أهل الغرب - رغم كفر معظمهم - بالترف والحياة الكريمة، فى حين يعانى أهل الشرق المسلمون والعرب من ويلات الفقر والأوبئة والتشتت والتمزق؟!.. ما السبب الحقيقى وراء كثرة الأزمات والمؤامرات التى باتت تكبل غالبية الشعوب العربية من كل حدب وصوب، وأورثتهم الهم والغم وجعلتهم دومًا فى حالة انكسار وضيق وحسرة وقلة حيلة؟!.. إنه الظلم الذى حرمه الله على نفسه وجعله بيننا محرمًا، لما له من عواقب وخيمة فى الدنيا والآخرة، ذلك الظلم الذى اتفقت الشرائع كلها على مقته وخِسته والذى لولاه ما قامت الثورات العربية بعد أن ظهر بسببه الفساد بشتى صوره وعم الخراب معظم أقطار العالم العربي، حيث انتشر الظلم، وللأسف الشديد، انتشار النار فى الهشيم، وثَبَّت أقدامه وأصبح للوطن عنوانًا!.. من المعروف أن الظلم لا يصدر إلا من أصحاب النفوس الخسيسة واللئيمة التى تستلذ بإيلام الغير وتستعذب إيذاءهم، والذين لا يأبهون بدعوة مَن يظلِمون ويجورون على حقوقهم ويسلبونها عنوة، رغم أن دعوات هؤلاء المظلومين ليس بينها وبين الله حجاب حسبما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. الظلم قبيح من كل الناس ولكن قبحه أشد - إذا صدر من ولاة الأمر نحو رعاياهم، حيث يصعب رفعه عنهم، لما للحكام ومعاونيهم من سلطة ونفوذ وسطوة، ولأن من أهم حقوق الرعية على الرعاة دفع الظلم عنهم، وحماية الضعفاء من جور الأقوياء، ولهذا قال أبو بكر رضى الله عنه عندما ولى الخلافة: "الضعيف منكم قوى عندى حتى آخذ الحق له، والقوى منكم ضعيف عندى حتى آخذ الحق منه". ولم يكن عدل أبى بكر الصديق ومن تبعه من الخلفاء الراشدين مقصورًا على المسلمين فقط، بل شمل أهل الذمة والمعاهدين ونحوهم، بينما نجد اليوم بعض الحكام المسلمين ينالون من بعض إخوانهم المسلمين ما لم ينله منهم الكفار المعاندون، فصرنا نرى ما نرى من قتل وذبح الرجال والأطفال، واغتصاب الفتيات وسرقة الممتلكات الخاصة، وحرمان الكثيرين من أوطانهم وأولادهم، فلم يجدوا مأوى لهم إلا فى ديار أهل الكفر الذين يطبقون العدل ويتخذون منه نبراسًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم!.. عن ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لن يزال المؤمن فى فسحة من دينه ما لم يصب دماً حرامًا". وعن أبى موسى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملى للظالم فإذا أخذه لم يفلته".. على كل مسلم أيًا كان موقعه وسنه أن ينأى بنفسه عن الظلم والتعدى على حقوق الغير، وأن يعلم جيدًا أنه لن تزول قدماه يوم القيامة حتى يُقتَص منه – إذا ظلم - فإن دعتك قدرتك اليوم وسطوتك على ظلم الآخرين، فتذكر يا من تظلم نفسك قبل أن تظلم الآخرين قدرةَ الله عليك يوم القيامة، واعلم أن أخطر أنواع الظلم بعد الإشراك بالله ظلم العلماء والأولياء، فقد أعلن الله حربه على من عاداهم: "من عادى لى وليًا فقد آذنته بالحرب". إن هذه القاعدة النبوية الجليلة: "الظلم ظلمات يوم القيامة"، لا تستثنى أحداً من الناس، ويعظم الوعيد ويشتد على من استغل قوتَه أو مكانتَه أو سلطتَه فى ظلم العباد، وانظر كيف كانت نهاية فرعون حين تجبر وطغى {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} يونس: 39، ولمّا ذكر اللهُ قصةَ ثمود وما حلّ بهم، قال تعالى: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} النمل: 52، اللهم أجرنا من الظلم لأنه من أسرع موجبات الهلاك والخراب للأمم والمجتمعات. [email protected]