مع إشراقة شمس ثورة 25 يناير على بر مصرنا الحبيبة ازدانت قلوب المصريين بالفرحة والأمل في غد أفضل؛ غد تملؤه العزة وتظلل عليه الكرامة وتزهر فيه غراس العدالة الاجتماعية. ومع انتخاب رئيس نقى القلب طاهر اليد عف اللسان زغردت قلوب الشرفاء فرحًا، وحلقت أمالهم إلى آفاق غير مسبوقة من الطموح والرغبة في الإصلاح. ومع انطلاق الأحلام من سجونها الكئيبة يصبح من الواجب على كل منا أن يساهم بقلمه وبفكره في رسم معالم طريق النهضة. ومع بزوغ شمس الحرية بانتخاب رئيس يفيض تواضعًا ويمتلئ قلبه بكل حب لهذا الشعب الكريم يصبح مد يد المساعدة له بالرأي السديد والنصيحة الخالصة فرض عين على كل واحد منا. ولعل الخطوة الأولى للنهضة تكمن في إصلاح الاقتصاد المصري وتبنى إستراتيجية جديدة للنمو الاقتصادي. وهنا تمثل التجربة اليابانية معينًا لا ينضب أمام مصر وغيرها من الدول النامية. شهد النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين نموًا مرتفعًا للاقتصاد الياباني تجاوز 5% سنويًا. وقد أدى هذا النمو الاقتصادي المرتفع إلى ازدهار البورصة والمؤسسات المالية وارتفاع قيمة أصول الشركات اليابانية. وقد أدى هذا الازدهار إلى تزايد عمليات استحواذ الشركات اليابانية على الشركات الأجنبية. ونتيجة لذلك توقع العديد من المحللين الاقتصاديين أن تصبح اليابان هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم. ولكن هذه النبوءة لم يكتب لها التحقق؛ فبحلول عام 1990 انخفضت أسعار الأسهم في بورصة طوكيو، وتدهورت قيمة الأراضي بشدة، وانفجرت الفقاعة الاقتصادية الزائفة، وسقط الاقتصاد الياباني في هوة الركود الاقتصادي. وقد شهدت الخمسة والعشرون سنة الأخيرة ثلاث فترات من الركود الاقتصادي القوي. وقد بدأت الفترة الأولى للركود الاقتصادي في عام 1990، وتأثرت بالأزمة الاقتصادية الآسيوية في نوفمبر 1997. وقد تميزت هذه الفترة بإفلاس العديد من المؤسسات المالية اليابانية وتقلص حجمها وأنشطتها. وقد تناقص حجم القروض التي تمنحها هذه المؤسسات من عام 1998 حتى منتصف عام 2005. وبالإضافة إلى هذا، زاد معدل البطالة من 3.5% في نوفمبر 1997 إلى 4.8% في يونيو 1999، وسميت الفترة من مارس 1994 حتى 2005 بعصر التوظيف الجليدي نظرًا للصعوبة الشديدة في الحصول على وظيفة. وتناقصت نسبة خريجي الجامعة في سوق العمل من 66.6% في مارس 1997 إلى 55.1% في مارس 2003. وقد استمرت الفترة الثانية للركود الاقتصادي من نهاية عام 2000 حتى النصف الأول من عام 2002. وتميزت هذه الفترة بالانكماش المالي الناتج من الكساد العالمي في قطاع أشباه الموصلات. وقد أدى انكماش البنوك والمؤسسات المالية، وانخفاض الصادرات الصناعية وخاصة الأجهزة الكهربائية إلى ارتفاع البطالة إلى أعلى معدل لها بحلول يونيو 2002 ليصل إلى 5.5%. وقد تناقصت فرص حصول خريجي الجامعة في دخول سوق العمل في الفترة من مارس 2002 حتى مارس 2003. وقد استمرت الفترة الثالثة للركود الاقتصادي من سبتمبر 2008 حتى الوقت الحالي. وبعد أن تعافى الاقتصاد الياباني من يناير 2002 حتى أكتوبر 2007 أدت أزمة قروض الرهن العقاري في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى انخفاض الصادرات اليابانية من السيارات والآلات. بل لقد انخفضت الصناعات اليابانية إلى أدنى مستوى لها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبحلول منتصف عام 2009 انخفض مؤشر الإنتاج الصناعي الياباني بمعدل 30% عن العام السابق. ولم يكد الاقتصاد يتعافى من أزمة قروض الرهن العقاري حتى حدث الزلزال العظيم والموجات الطوفانية المدمرة في مارس 2011. وقد تميزت الفترة من نوفمبر 1997 حتى سبتمبر 2008 بانخفاض غالبية المؤشرات الاقتصادية مثل: النشاط في البورصة، والاستثمارات الاقتصادية، ومعدل نمو الناتج القومي الإجمالي عما كان عليه الحال قبل عام 1997. ولهذا، يطلق الاقتصاديون على هذه الفترة العقدين المفقودين. واستجابة لهذه الفترات الثلاثة من الركود الاقتصادي نفذت الحكومة اليابانية سلسلة من الإجراءات الاقتصادية العاجلة. فبالإضافة إلى زيادة الإنفاق الحكومي، تم توجيه أموال الضرائب لتمويل المؤسسات المالية لكي تستمر هذه المؤسسات فى منح القروض للمؤسسات الصناعية والتجارية. كما نفذ البنك المركزي الياباني عدة إجراءات مثل: تخفيض سعر الفائدة على القروض ليصبح صفر، وزيادة السيولة في البنوك التجارية، والتوسع في شراء السندات الحكومية والأسهم في الشركات المملوكة للمؤسسات المالية الكبرى وسندات القطاع الخاص. وعلى الرغم من هذه السياسات التي زادت من السيولة المالية في السوق استمر معدل النمو الاقتصادي منخفضًا. ويؤدي الانخفاض الشديد في معدل النمو الاقتصادي إلى انخفاض الإنفاق الاستثماري الحكومي، ويؤدى انخفاض الإنفاق الاستثماري الحكومي إلى مزيد من الانخفاض في معدل النمو الاقتصادي؛ الأمر الذي يخلق دائرة جهنمية من الكساد الاقتصادي. وعلى النقيض من هذا، تؤدى زيادة الاستثمارات الحكومية إلى بناء أمة متقدمة تكنولوجيًا قادرة على المنافسة العالمية. وفى ظل انخفاض الإنفاق الاستثماري الحكومي تزداد معدلات البطالة، وتقل الأموال المدخرة في صناديق المعاشات، وتتقلص الأموال الموجهة للتأمين الصحي للعاملين. وقد أدت هذه السياسات الاقتصادية إلى تحقيق معدل إيجابي للنمو الاقتصادي في الفترة من فبراير 2002 حتى أكتوبر 2007. ويعنى هذا استمرار النمو الاقتصادي الإيجابي لمدة 69 شهرًا، وهذا ما يفوق أعلى فترة متصلة للنمو الاقتصادي والتي استمرت لمدة 57 شهرًا خلال النصف الثاني من عقد الستينيات. ولكن الفرق بين هذين الفترتين هو أن معدل النمو الاقتصادي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان 2% مقارنة ب 10% خلال النصف الثاني من عقد الستينيات. ولكن هذه الإيجابيات لم تكن بدون ثمن؛ حيث أدت إلى ارتفاع حجم الدين المحلي. وفي عام 2010 بلغت الديون المحلية اليابانية الناجمة عن إصدار الحكومة للسندات 1.98 أمثال الناتج المحلي الإجمالي مقارنة ب93 .0 أمثال الناتج المحلى الإجمالي الأمريكي وب81. أمثال الناتج المحلى الإجمالي البريطاني. ويعنى ذلك أن السندات التي تصدرها الحكومة اليابانية تمثل ما يتراوح بين 30% و 40% من الميزانية السنوية للدولة. وما تحتاجه مصر الآن هو سياسة مالية جديدة شجاعة، واستراتيجية فعالة للنمو الاقتصادي المرتفع. ويجب أن تنبني هذه السياسة المالية الجديدة على ترشيد الإنفاق الحكومي على القطاعات غير الإنتاجية من الاقتصاد، وعلى التوسع الاستثماري في الصناعات ذات القيمة المضافة الأعلى. وبالإضافة إلى هذا، فلابد من تقليل قيمة الفائدة على القروض التي تمنحها البنوك المصرية لعدد مختار بدقة من الصناعات الاستراتيجية. ولابد من زيادة موارد الدولة الضريبية من خلال فرض ضرائب تصاعدية لا تتحيز ضد الفقراء ومحدودي الدخل. كما يجب على الاستراتيجية الجديدة للنمو الاقتصادي أن تقوم على تحسين القدرات التنافسية للاقتصاد المصري، وزيادة الاستثمارات في قطاعات الطاقة والنقل والصحة وتكنولوجيا المعلومات والتدريب التحويلي.