الثورة الشعبية السورية مع قوتها وعنفوانها، ومع ما بذلته من تضحيات جسيمة يعجز التاريخ عن تسطيرها، كشفت هذه الثورة المباركة، كثيرًا من الخبايا والحقائق منها ما يأتي: 1) مأساة أهل "السنة والجماعة" وما يعانونه من تشرذم رهيب وتفرق أليم، دولًا وشعوبًا ومنظمات وجماعات، حتى بات هذا المصطلح أهل "السنة والجماعة" في صورته العصرية، يعدّ رمزًا لغياب السنة، وتفرق الجماعة، فحيثما اتجهت وجدت أهل "السنة والجماعة" في تناحر وتصارع واختلاف وشقاق، ولعلّ من أهم أسباب تأخر النصر في سوريا، هو تفرق قوى الثورة السورية وتشرذمها، ليس على مستوى التيارات الفكرية المختلفة، فحسب، بل حتى على مستوى الجماعات الإسلامية، ذات الأصول والمعتقدات والرؤى الواحدة، فلكل جماعة في سوريا قائد ولواء وإمام، ومن المؤلم بل والمفجع أنّ هذه الفصائل لا تزال على تفرقها رغم ضراوة الحرب على مختلف الجبهات، ورغم الإعلان عن مجلس للتنسيق بين هذه الجماعات. بيد أنّ هذه الألوية – في تقديري- باتت تشعر بالخطر الداهم، والثقافة الاستئصالية لدى الصفويين والنصيريين، وقوى البعث الاشتراكي، ومن حالفهم، من الأسياد في الشرق والغرب، ولعلّ هذا يسهم في اتحاد الكلمة وجمع الشتات الإسلامي والتئام الألوية الإسلامية تحت لواء واحد، وظني أنّ من الحكم الإلهية ربما في وجود تلك الفِرَق التي تعيث في بلاد الشام فسادًا وتقتيلًا وتشريدًا واغتصابًا، لعلّ هذا يضطر الإسلاميين بألويتهم المختلفة وجماعاتهم المتعددة، إلى الاتحاد والوحدة، وهو ما سيعجل بالنصر على النظام الفاشي في سوريا ومن يقف وراءه، ما لم فلا خيار أمام الإسلاميين وقواهم الثورية سوى الاستئصال. 2) وحدة القوى الموالية للنظام، فرغم ما يعانيه النظام على المستوى الداخلي من انكسارات وتشظي وانقسامات كبيرة جدًا، إلا أنّه على المستوى الخارجي نجد جبهة عريضة مؤلفة من روسيا وإيران وحزب الله يقفون مع النظام، وهم الذي يمدونه بالحياة، والاستمرارية، ولولاهم لسقط النظام منذ بدايات الثورة المسلحة، فيما دولنا السنية منشغلة على أشدها بالمباريات والأولمبيات الكروية، إلا ما رحم ربي. 3) كشفت الثورة السورية معدن هذا الشعب الأصيل، وأنه شعب أبيٌ مؤمن مجاهد مرابط، وأنّ لديه مخزونًا إيمانيًا وجهاديًا ونضاليًا لا ينفد، وليس أدلّ على هذا من الثبات الأسطوري على الإيمان والثورة رغم ما قدمه الشعب السوري من الشهداء والأبطال، البالغ زهاء مائة ألف شهيد أو يزيدون حتى الآن. 4) كشفت الثورة السورية جليًا من هم حلفاء النظام السوري، الحقيقيون ومن هم المستفيدون من بقائه، ولذا نراهم يستميتون في حمايته والدفاع عنه، وفي مقدمة تلك القوى: الصهيونية وإيران وحزب الله اللبناني، وكشفت هذه الثورة أنّ النظام النصيري يقف في الخط الأول للدفاع عن دويلة إسرائيل، وليس أدلّ على هذا من الضربات الأخيرة للكيان الصهيوني لمخازن بعض الأسلحة الاستراتيجية، بعد أن كاد المجاهدون يستولون عليها، وهو ما يهدد وجود إسرائيل، فبادر الكيان الصهيوني بتدمير هذه الأسلحة، حتى لا تقع في الأيدي المتوضئة التي تعلم وتعرف جيدًا أين توجهها، وضد من؟. 5) كشفت الثورة السورية حقيقة الأكاذيب والدجل التي كان يرددها النظام النصيري في دمشق، على مدى ستين عامًا، مثل ما يسمى بمحور الممانعة أو ما يسمى بجيوش الطوق والتحدي!!. 6) كشفت الثورة السورية أمرًا في غاية الأهمية ألا وهو ضرورة إعادة هيكلة كل الجيوش العربية بحيث تكون جيوشًا مخلصة لشعوبها وأوطانها، لا لأسر أو أفراد، ولا لأحزاب ولا لطوائف، فالجيش السوري الذي بني على أساس الطائفية ها هو يرتكب في حق شعبه أشنع الفظائع وأقبح الجرائم وأسوأ الرذائل، وأخزى القبائح، التي لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، حتى قال بعض المراقبين، تُرى لو أنّ سوريا دخلت في حرب مع إسرائيل، هل كانت إسرائيل ستفعل عُشْر ما فعله البشار بشعبه؟!!. إنّ على القوى الثورية المؤمنة بالله والمؤمنة بحق الشعوب في الحرية والاستقلال من المحيط إلى المحيط، أن تعيد بناء الجيوش العربية والإسلامية، بناءً وطنيًا إسلاميًا استقلاليًا، وأن تسعى جاهدة لتحرير الجيوش العربية من قبضة الولاء للأسر والطائفيات والأحزاب، وألا يكون ولاؤها سوى لله وحده، ثم لإرادة شعوبها. أخيراً: أجزم أنّ الثورة الشعبية السورية منتصرة، وأنّ أنهار الدماء وجبال الجثث التي قدمها الشعب السوري الأبي إنما هي قرابين للنصر والحرية، وأنّ هذه الأنهار من الدماء الزكية الطاهرة، ليست ثمنًا للحرية والاستقلال فقط على أرض الشام، بل أيضا ثمنًا للنصر والحرية والاستقلال لكل البلدان العربية والإسلامية التي لا تزال تئن تحت نير الحكم الفردي الاستبدادي، وأنّ انتصار ثورة الشام يعدّ انتصارًا لكل شعوبنا العربية والإسلامية من المحيط إلى المحيط، في العراق والجزائر واليمن ومصر والأردن، وموريتانيا..إلخ، فلا طريق للحرية والاستقلال والحياة الكريمة، إلا هذه الأنهار من الدماء والجبال من الجثث، سنة الله التي قد خلت في عباده، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، ولن تجد لسنة الله تحويلًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،، [email protected]