عن أبي قبيل قال كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص وسئل أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية، فدعا عبد الله بصندوق له حلق قال فأخرج منه كتاباً قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً قسطنطينية أو رومية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني قسطنطينية. من الواضح من سياق الحديث أن الرسول قد أخبر بفتح القسطنطنية ورومية، ولذلك جاء الاستفهام من جانب الصحابة فى هذا الحديث متعلقا بأى المدينتين ستفتح أولا، وهو استفهام يوضح التسليم واليقين المطلق الذى لا يخالطة أدنى شك ولاريب ولو لمجرد إبداء الدهشة والتعجب من حدوث هذا الأمر، وهو الأمر الذى يجب أن يكون عليه كل مسلم صادق الإيمان أمام كل مايخبر به الصادق المصدوق الذى لاينطق عن الهوى لقد توالت محاولات فتح القسطنطنية من جانب المسلمين حيث قدرها البعض بإحدى عشرة مرة، وقد بدأت المحاولات الجدية فى عهد معاوية بن أبى سفيان الذى شهد عهده محاولتين الأولى عام 44ه والثانية عام54ه واستمر خلالها حصار القسطنطنية لمدة سبع سنوات، ثم كانت أقوى الحملات الأموية لفتح القسطنطنية فى عهد سليمان بن عبدالملك عام 98ه ولكن هذه الحملات لم تحقق أهدافها وقد استمرت المحاولات لفتح القسطنطنية واتخذت صورة جدية مرة أخرى فى عهد الدولة العثمانية وفرض عليها الحصار أكثر من مرة فى عهد السلطان بايزيد الأول (1389 – 1402م) وفى عهد السلطان مراد الثانى (1421 – 1451م) الى أن تم الفتح على يد السلطان محمد الثانى عام 1453 والذى لقب بالفاتح لفتحه القسطنطنية ،والذى كان يضع نصب عينيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " لتفتحن القسطنطينية ، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش " وكان هذا الحديث وغيره من الأحاديث التى تبشر بفتح القسطنطنية تلهب حماس الجند،وكان محمد الفاتح دائم التذكير بحديث الرسول عن فتح القسطنطنية فيذكر فى آخر خطبة ألقاها فى قادة جيشه قبل المعركة النهائية "إذا تم لنا فتح القسطنطنية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعجزة من معجزاته سيكون من حظنا ماأشاد به هذا الحديث من التمجيد والتقدير فأبلغوا أبنائنا العساكر فردا فردا أن الظفر العظيم الذى سنحرزه سسيزيد الإسلام قدرا وشرفا ..." لقد كان فتح القسطنطنية الذى تحقق يوم الثلاثاء 29 مايو 1453 ملحمة بطولية خالدة فى تاريخ الإسلام كان لها أثرها على أوربا التى انتابها الحزن والألم بينما عمت البهجة والسرور أرجاء العالم الإسلامى،وهى ملحمة جديرة بأن تجد مكانها اللائق بها فى مناهجنا الدراسية،وأن نحي ذكراها بما يليق بهذا الفتح العظيم وإذا كان وعد الرسول بفتح القسطنطنية قد تحقق بعد ثمانية قرون ونصف دون أن ينال ذلك من عزيمة المسلمين، أو تنتابهم الهواجس من إخفاق محاولات فتحها وطول المدة بل زادهم ذلك عزيمة وقوة حتى تحقق الفتح فماذا عن رومية؟ وهل حاول المسلمون فتحها؟ الواقع أن غزوات المسلمين قد وصلت روما وتم فرض الحصار عليها وأجبر البابوات على دفع الجزية ولكن قبل الحديث عن ذلك لابد من التوقف عند دولة الأغالبة(800 – 909م) التى أسسها إبراهيم بن الأغلب فى شمال أفريقيا واتخذت من القيروان قاعدة لها فى عهد هارون الرشيد وقد اتجه الأغالبة الى التوسع بحرا واستطاعوا فتح صقلية ومالطة وسردينيا وهاجموالسواحل الأوربية وأقاموا عددا من الحصون على سواحل إيطاليا التى هاجمو الكثير من مدنها التى تعرضت لغاراتهم وكانت نقطة الانطلاق الأساسية الى الساحل الأوربىة هى جزيرة صقلية التى كانت تخضع للأغالبة، وكثير من الحملات التى انطلقت الى السواحل الأوربية كان يقوم بها المتطوعون سواء برعاية الأغالبة أو بصورة فردية وفى إطار تلك الحملات تمكنت إحداها عام 846 م من الوصول الى روما وفرض الحصار عليها، وقد استولى المسلمون على الكثير من النفائس والكنوز الموجودة فى كنيسة القديس بطرس والقديس بولس وغيرها من الأماكن المقدسة والتى كانت تقع فى ذلك الوقت خارج أسوار روم، ومن ضمن النفائس التى استولوا عليها هيكل فضى كان فى قبر القديس بولس وقد كان لحصار روما وقع سىء على الأوربيين وعلى البابا سيرجيوس الثانى الذى استغاث بالدول الأوربية لمساعدته وانقاذ المدينة وسارع إمبراطور الفرنج، وكذلك قادة المدن والثغور الإيطالية بإرسال حملات لقتال المسلمين الذين وقع الخلاف بينهم وقاموا برفع الحصار عن روما عام 850 وقد عمل البابوات على تحصين المدينة وإحاطة كنيسة القديس بطرس والقديس بولس وغيرها من الأماكن المقدسة بالأسوار وفى عام 870 م توجهت حملة بحرية أخرى من أمراء البحر المسلمين الى الشاطىء الإيطالى قاصدة روما حيث اقتربت منها، وفرضت الحصار عليها ،وقد اضطر البابا يوحنا الثامن الى التفاوض معهم على دفع 25 ألف مثقال من الفضة مقابل الجلاء هاتان هما المحاولتان التى اقترب فيها المسلمون من فتح روما، ولكن لم يقدر لها أن تفتح فى ذلك الوقت الذى لم تكن قد فتحت فيه القسطنطنية التى أخبر الرسول أنها ستفتح أولا ولكن بعد تحقق فتح القسطنطنيةعلى يد محمد الفاتح يبدو أنه أراد أن يجمع لنفسه شرف فتح المدينتين القسطنطنية وروما، وقد تمكن أسطوله من فتح مدينة أوترانت الإيطالية عام1480 وعزم على مواصلة فتح شبه الجزيرة الإيطالية كاملة ويقال أنه أقسم أن يربط حصانه فى كنيسة القديس بطرس بروما، ولكن المنية وافته فى العام التالى 1481قبل أن يحقق هدفه والآن وبعد مرور 1434 عام من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هل مازلنا نتذكر وعد الرسول بفتح روما، وهل نملك جميعا اليقين بتحقيق وعده عليه السلام ،أم أصاب البعض منا الوهن وربما يتساءل فى نفسه أنى لنا ذلك، ونحن نعانى من الضعف، وهم يملكون أسباب القوة، وربما رأى البعض ممن فى قلوبهم مرض أن ذلك إغراق فى الخيال والوهم وأنها أحلام يقظة ولهؤلاء جميعا أقول يجب أن تراجعوا قلوبكم وإيمانكم فأنتم على خطر عظيم إذا لم توقنوا وتسلموا تسليما بوعد رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه يقين لاريب فيه، وأن روما ستلحق بالقسطنطنية دون أن نشغل أنفسنا بمتى وكيف وربما يتساءل بعض المخلصين وهل هذا وقت الحديث عن فتح روما ونحن نعانى مانعانى فى حياتنا من غياب الأمن والانقسام السياسى والمشكلات الأقتصادية وغيرها من الأزمات التى تحيط بنا من كل جانب، وأقول لهؤلاء نعم إن هذا أنسب وقت لهذا الحديث بل هو الرد المناسب على حملات الإحباط والتيئيس التى تستهدف الشعب المصرى، والتى تتولى كبرها بعض وسائل الإعلام التى لاترى ولاتبحث إلا عن الظلام لقد كان دأب الرسول أن يبشر أمته ويبعث فيهم الأمل فى أحلك الظروف فى وقت المحن والشدائد، أليس هو القائل للخباب بن الأرت الذى جاء إليه وهو متوسد ببردة فى ظل الكعبة يشكوا مايحل بهم من بلاء سائلا الرسول: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا ؟فيذكره الرسول بما كان يحدث للأمم السابقة من ثبات على الحق رغم كل المحن والابتلاءات، ثم يبعث فى نفسه الأمل ويبشره بالنصر "والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" ألم يعد الرسول سراقة بن مالك الذى خرج يطارد الرسول،وهو مهاجر الى المدينة بسوار كسرى قائلا له " كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه". ألم يعد الرسول المسلمين فى غزوة الأحزاب وقد تكالب أعداء الدعوة عليه من خارج المدينة وداخلها يريدون القضاء المبرم على الإسلام بفتح بلاد الشام وكسرى واليمن النماذج والمواقف كثيرة فى القرآن، وفى سيرة النبى الذى كان حريصا على بث الأمل فى نفوس المسلمين ،ولذلك لاينبغى أن نستسلم لدعوات اليأس والإحباط وأن ندرك أن ما نعانيه _ مع مايسببه لنا من ألم وضيق – لاشىء يذكر قياسا بما شهدته العديد من البلاد التى شهدت ثورات كبرى وماأعقبها من عمليات عنف وعدم استقرار استمر لسنوات ماتشهده مصر الآن فى أعقاب الثورة هى مرحلة مخاض سرعان ماستزول ألآمه مع مولد مصر الجديدة، وستبدد خيوط الفجر سحب الظلام مهما كانت حلكته، وستمضى الثورة فى طريقها متخطية كل المعوقات والعراقيل التى توضع فى طريقها * مدرس التاريخ الحديث والمعاصر كلية التربية – جامعة دمنهور [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]