قد فضل الله مصر، وشهد لها في كتابه، وذكرها باسمها، وخصها دون غيرها، وكرر ذكرها، وأبان فضلها في آيات من القرآن العظيم، يشهد بذلك القرآن الكريم، وكفى به شهيدًا ، فيذكر آيات القرآن الكريم التي ذكر فيها الله سبحانه وتعالى اسم (مصر) : ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتًا واجعلوا بيوتكم قبلة) ، وما ذكره الله عز وجل حكاية عن قول يوسف : ( ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) ، وقال عز وجل ( أهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم )، واسم ( مصر ) هو اسم حفيد نوح، عليه السلام.. ويسند هذا إلى أن عبد الله بن عباس قال : دعا نوح، عليه السلام، ربه، لولده وولد ولده: مصر بن حام بن نوح .. فقال داعيًا الله: اللهم بارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة التي هي أمن البلاد، وغوث العباد، ونهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض، وذللها لهم، وقوهم عليها، أما نبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام، فقد كتب إلى جماعة من الملوك منهم هرقل الروم، وكسرى الفرس، فما أجابه أحد منهم، وكتب إلى المقوقس صاحب ( مصر ) فأجابه عن كتابه جوابًا جميلًا، وأهدى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام طبيبًا، وعسلًا، فقبل الهدية البسيطة من العسل، ورد الطبيب قائلًا: ( نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا، وإذا أكلنا لا نشبع )، ومن كان يتبع الحمية في الطعام فلا حاجة إلى الطبيب، وأن ( مصر ) مصورة في كتب الأوائل، وفي هذه الصورة نرى سائر البلاد وهي تمد يديها إلى ( مصر ) .. تستطعمها وتتلمس خيراتها، وأجمع أهل المعرفة على أن أهل الدنيا مضطرون إلى ( مصر ) يسافرون إليها.. ويطلبون الرزق بها، وأهلها لا يطلبون الرزق من غيرها، ولا يسافرون إلى بلد سواها، وحتى لو ضرب بينها وبين بلاد الدنيا، لغنى أهلها بما فيها عن سائر بلاد الدنيا، وأن العرب لم يعرفوا حينذاك عن ( مصر ) قدرها كما كانوا يعرفون عما جاورهم من البلاد، من الشام شمالًا إلى اليمن جنوبًا، حيث كانت قوافلهم ترحل إلى هنا وهناك رحلة الشتاء والصيف، فلما جاء الإسلام، ونزل القرآن الكريم، يذكر (مصر) بالاسم وحدها من دون بلاد الله، ويذكرها ويذكر أهلها في ثلاثين آية كريمة، أخذ العرب يتحدثون عن ( مصر ) كثيرًا، ويتجادلون في أمرها، ويتطلعون أيضًا إلى تلك البلاد التي وصفت بأنها: خزائن الأرض، وأخذ عمرو بن العاص وبعض الصحابة يتحدثون عن فتح ( مصر ).. وأخذ عثمان بن عفان وبعض الصحابة يعترضون على فتح ( مصر ).. وبعد مراجعة وتردد وتفكر، أذن عمر بن الخطاب بأن يتجه عمرو من الشام إلى ( مصر ) ، وألا يصحبه من الجند إلا من يتطوع لهذه المهمة.. فقد أرسل إليه الخليفة أمرًا يقول: ( اندب الناس إلى السير معك إلى مصر، فمن خف معك، فسر به).. ولهذا كان جيشًا قليل العدد، قيل إنه ثلاثة آلاف وخمسمائة رجل، وقيل إنهم كانوا أربعة آلاف رجل.. مهمتهم أن يفتحوا ( مصر ) التي كانت أهم جزء في الإمبراطورية الرومانية! وعندما استقرت الأمور في ( مصر ) فقد أرسل عمرو بن العاص إلى الخليفة كتابه المشهور الذى يصف فيه ( مصر ) وصفًا ( أدبيًا ) بليغًا .. يقول في مستهله : ( إن مصر قرية غبراء، وشجرة خضراء، طولها شهر، وعرضها عشر، يكتنفها جبل أغبر، ورمل أعفر، يخط وسطها نيل مبارك الغدوات، ميمون الروحات، تجري فيه الزيادة والنقصان، كجري الشمس والقمر)، ثم يتحدث عن الفيضان عندما يغمر الأرض، ثم يجف الماء، ثم ينمو النبات، ثم تظهر الثمار.. فيقول: ( فبينما مصر لؤلؤة بيضاء، أذهى عنبرة سوداء، فإذا هي زمردة خضراء، فإذا هي ديباجة رقشاء.. فتبارك الله الخالق لما يشاء!). [email protected]