كان سلامة أحمد سلامة مثيرا للاعجاب في كتاباته بالأهرام، قادرا على الخوض في الممنوع بصحيفة حكومية لها خطوطها الحمراء تجاه النظام والحزب الوطني والحكومة، لكني لم أكن متفائلا به على الاطلاق عند انتقاله رئيسا لتحرير "الشروق الجديد" اليومية المستقلة. عندما يقبل كاتب كبير إدارة تحرير صحيفة بتمويل أمريكي، فهذا معناه أنه مستعد لدفع الفاتورة من ضميره الصحفي ومهنيته وموضوعيته التي اشتهر بها. مقاله يوم الجمعة الماضي عن شجاعة وديمقراطية جورجيت قليني نموذج لما يقع فيه صحفيون يتخلون عن العدالة والضمير بثمن مدفوع. زميلنا الأستاذ جمال سلطان لخص ذلك في عنوان مقاله أمس "من خرج من داره قل مقداره". الواقع أن سلامة أحمد سلامة لم يكتب من اجتهاد شخصي، فصحيفته تبنت الرؤية التي تؤكد أن جريمة نجع حمادي طائفية وليست حادثا فرديا منذ اليوم الأول وقبل إعلان القبض على المتهمين. يعرف العاملون في بلاط صاحبة الجلالة أنه من الصعب إن لم يكن مستحيلا عزل وسيلة الاعلام عن مصادر تمويلها، ولذلك فأي صحفي يقبل العمل في صحيفة ذات تمويل معروف الجهة، قابل للمستحق عليه من فواتير. على سبيل المثال رفعت السعيد الذي كتب قائلا "على المسيحيين أن يفرضوا أنفسهم على الحزب الوطني بالجزمة" يدرك أنه نفسه يكتب ووجهه تحت جزمة أقباط المهجر الذين يمولون جريدة الأهالي ويبقونها على قيد الحياة، وقد كتبت هذا مدعما بالوثائق عندما كنت رئيسا لتحرير جريدة أسبوعية اسمها "الأولى" ولم يستطع السعيد أن ينفي أو يقول شيئا. قبل انطلاق الشروق الجديد تعرض سلامة لمحنة صحية بالغة كتب خلالها مقالا وداعيا لقرائه. في مثل هذه اللحظات التي يوشك فيها الانسان أن يقابل ربه، يغتسل ضميره من كل الأدران، ينسى الدنيا وزخرفها ولا يتذكر إلا الحفرة التي ستحتضن جسده إلى أن تقوم الساعة، فيتوب عن كل ما عملت يداه وما قال لسانه. عندما يشاء الله أن يعود الإنسان من محنته الصحية لأنه لم يبلغ محطة النهاية، يظل ضميره مستيقظا، مدركا أن لكل أجل كتابا، وأنه عندما يولي ظهره للدنيا لن يأخذ معه أموالا أو قصورا.. يكفيه المال الطيب من العمل الطيب الذي يرضى عنه الله ولا يجد في نفسه غصة منه. كتب سلامة أحمد سلامة رأيه عن قتل ستة اقباط ومسلم أمام مطرانية نجع حمادي متجردا من الموضوعية، منطلقا من الحكم المسبق، مستمعا لما يُملى عليه. سيتساءل البعض: ألم يكن أولى عن يفعل ذلك أثناء وجوده في صحيفة حكومية؟! ما كنا نقرأه له في الأهرام كان في الحيز المقبول من النظام. نوع من المعارضة الخفيفة داخل صحيفة حكومية، لكنه لا يساوي مثقال ذرة مما كان يكتبه الراحل الكبير جلال الدين الحمامصي في عموده الشهير دخان في الهواء بجريدة الأخبار في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أو ما كان يكتبه الأستاذان مصطفى أمين وأحمد بهاء الدين. سلامة يكتب دائما من مكتب مريح. ينخع بما لا يعلم. بدليل أنه لم ينتقل من مكتبه في الشروق ليستقصي حقيقة ما جرى في نجع حمادي، ولم يكلف محرريه بالاجتهاد بحثا عن الخبر الدقيق الموضوعي، مستجيبا فقط لبنود الفاتورة التي ينبغي له أن يدفعها وإلا سيحرم من الرزق الذي ينزل عليه كالسيول، لكنها لا تغرقه وإنما تضخم حساباته البنكية، مع أنه في أمس الحاجة لتضخيم حساباته مع الله. وحده سلامة يصر على أن جورجيت بطلة ووطنية ومخلصة. ووحده الذي يرى ما حدث فتنة طائفية وراءها استهداف للأقلية المسيحية. ومن هذا المنطلق جند كتابه وصحفييه لكي يعضدوا منطقه أو قل منطق الجهة المانحة! هل هو أعلم من المحافظ القبطي لقنا؟!.. أم أنه لا يجهل سر الحملة القبطية عليه، كونه على المذهب البروتستانتي، والأرثوذكس يفضلون محافظا مسلما على مسيحيا من ذلك المذهب، وهذا ما قاله صراحة قمص نجع حمادي الأنبا كيرلس. هل أطلع على ما لم يطلع عليه كيرلس الذي نفى تماما أي خلفيات طائفية للجريمة، وهل هو أعلم منه بخصائص النائبة جورجيت التي امتدح سلامة شجاعتها ووطنيها وبطولتها، فقد قال فيها كيرلس في حوار مع الأهرام المسائي: أنا لا ارتاح أبدا لهذه السيدة. وشعرت عندما جاءت ضمن وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان بأنها جاءت للوقيعة بيننا، وحاولت ان تحصل مني علي كلام ضد اللواء مجدي أيوب محافظ قنا، فرفضت هذا الاسلوب، لكن كانت لديها القدرة علي 'توقيع' الناس الغلابة من المواطنين البسطاء'. وتساءل: 'هل جورجيت وصية عليّ وعلي الأقباط، انها واحدة عاوزة 'تظهر' ووش 'خراب'. سلامة هدد مصر بما ينتظرها من البرلمان الأوروبي ومن الولاياتالمتحدة. ولولا اللياقة لقلت له ما لا يحب أن يسمعه. وعندما صدر بيان ذلك البرلمان لم يعتبره كافيا ولم يشبع نهم صحيفته. نستطيع أن نقول له "ليشربوا من البحر". لا يخيفنا ما يهدد به، لكننا حريصون على مستقبل شركائنا في الوطن معنا، حريصون عليهم لأنهم جزء من مصر، وما ينشره في عموده وما تعرضه صحيفته يضيع كل ذلك! ليتذكر سلامة أن لكل أجل كتابا فيخرج من سقطته ويحولها إلى مجرد عثرة طريق!