منذ جاءت ثورة يوليو 1952 وحتى عهدنا هذا لم تتوقف المواجهة بين القضاء والسلطة وكانت البداية في عهد الرئيس السابق عبد الناصر، وهي رؤية الضباط الأحرار لمؤسسة القضاء أنها مخترقة من قوى الثورة المضادة بحكم نشأة القضاة في العصر الملكي أيام الملك فاروق. وبدأ الصراع من عام 1956 حينما طالب عبد الناصر بتسجيل نادي القضاة كجمعية خيرية تحت إشراف وزارة الشئون الاجتماعية وهو ما رفضه القضاة ثم كان الطلب نفسه في عام 1964 إلا أن المعركة الكبرى كانت في عام 1969 بعد هزيمة يونيو 1967 عندما بدأ النظام في إعادة ترتيب نفسه والتركيز على ما أطلق عليه آنذاك وحدة الجبهة الداخلية، وقد تضمنت ذلك طليعة الاشتراكيين كتنظيم سري داخل الاتحاد الاشتراكي العربي استهدف تجميد القضاة وفرضت على بعضهم كتابة تقارير وكان عبد الناصر يثق في أعضاء التنظيم السري وهنا انقسم القضاة كقائمة للنظام وكقائمة للأحرار، وهو ما دخل به المرشحون انتخابات نادي القضاة تحت هاتين القائمتين بقائمة لنظام عبد الناصر وقائمة للأحرار بقيادة ممتاز نصار، وكان هذا في العام 1969، وهو ما أسفر عن فوز قائمة نصار وخسارة قائمة النظام، وأعقبت ذلك مباشرة مذبحة القضاة بعزل مائتي قاضٍ وحل مجلس إدارة نادي القضاة وتعيين نادٍ جديد. وفي عهد الرئيس السابق أنور السادات حينما حاول تقييد استقلال القضاة بإنشائه محاكم استثنائية كمحكمة القيم ومحكمة العين اللذين انتقدهما المستشار وجدي عبد الصمد في أحد مؤتمرات نادي القضاة لإنشائه تلك المحكمة وكذلك أزمة المستشار العظيم ممتاز نصار مع الرئيس السادات، بسبب اتفاقية كامب ديفيد حيث وقف نصار مع 13معارضًا داخل مجلس الشعب ضد هذه الاتفاقية حتى أمر السادات بحل مجلس الشعب عام 1979. وكان عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي حضر مؤتمر العدالة الأول الذي واجهه فيه المستشار يحيي الرفاعي شيخ القضاة قائلًا :" السيد الرئيس كنا نود ألا تمد حالة الطوارئ، فهي لم تمنع أحداث الشغب الأخيرة أما وقد مدت بالأمس فسوف يظل إنهاؤها معقودًا عليك لإنهائها، ولو استعملت المادة 74 من الدستور لكان أول استعمال صحيح دستوريًا ولكنك لم تستعملها". هكذا وقف شيخ القضاة يحيى الرفاعي، رحمه الله، يتكلم بكل صراحة أمام الرئيس المخلوع وهدأت الأمور حتى عام 2001، وعندما فاز تيار الاستقلال بقيادة المستشار زكريا عبد العزيز برئاسة نادي القضاة لدورتين متتاليتين، ودخل القضاة في أزمة مع الرئيس المخلوع، بسبب التعديلات الدستورية والمادة 88 التي عدلت لتنهي الإشراف الكامل علي الانتخابات، واقتصرها علي مراكز الاقتراع فقط وما حدث في عام 2006 من انتقاد بعض القضاة مثل الدكتورة نهى الزيني والمستشار محمود الخضيري، والمستشار هشام البسطويسي، والمستشار أحمد مكي، وغيرهم ما حدث من تزوير في انتخابات عام 2005، وتم تحويل المستشارين أحمد مكي وهشام البسطويسي إلى التأديب وكان وقتها المستشار محمود أبو الليل وزيرًا للعدل ودخل القضاة في اعتصام مفتوح رفضًا للقرار وشارك الإخوان آنذاك في تظاهرات داعمة للاستقلال، وتم اعتقال المئات على رأسهم الدكتور محمد مرسي، مسئول اللجنة السياسية للإخوان آنذاك. وانتهى قرار التأديب وقتها إلي توجيه اللوم إلي المستشارين الجليلين وذهب المستشار محمود أبو الليل مقبلًا رأس المستشار البسطويسي في المشفى الذي كان يعالج فيه، وهو ما أدى إلي إقالته بعد ذلك من وزارة العدل. واستخدم مبارك كل الأساليب لترويض القضاة من ندب المئات في مؤسسات الدولة وكذلك الإعارة ورفع السن من 60 للتقاعد حتى وصل إلي 70 عامًا، وذلك حتى لا يصل قضاة بعينهم إلى منصب رئيس مجلس الأعلى للقضاة. اليوم تتجدد أزمة جديدة مع القضاة في زمن الإخوان والدكتور محمد مرسي رئيسًا وفي ظل أشرس صراع يحدث في عمر عاميي الثورة.. خاض الرئيس الدكتور مرسي صراعًا شديدًا ابتدءًا من الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري قبل تنصيب مرسي رئيسًا بأيام وحل مجلس الشعب وحلف اليمين أمام أعضاء الدستورية العليا وقراره بعودة مجلس الشعب ثم إلغاؤه من الدستورية، كذلك والإعلان الدستوري الصادر في 19 نوفمبر 2012 وقبلها محاولة عزل النائب العام السابق عبد المجيد محمود وإرساله سفيرًا للفاتيكان ثم الجمعية التأسيسية ثم الدستور وإقراره في استفتاء قاطعه أعداد كبيرة من القضاة والآن الحديث عن قانون السلطة القضائية الذي تقدم به حزب الوسط وآبرز بنوده هو تعديل سن الإحالة للتقاعد بدلًا من 70 عامًا إلى 60 عامًا وهو ما تسبب في أزمة لم تنته فصولها إلى الآن.