لا شك أن ثورة يناير التى أطاحت بنظام حسنى مبارك كانت من أعظم الثورات فى تاريخ مصر لكنها فى نفس الوقت خلفت انفلاتًا أمنيًا كبيرًا فى الشارع المصري، وكان نتيجة هذا الانفلات الأمنى هو انتشار ظاهرة خطف الأطفال طلبًا لفدية من ذويهم لأن من يقوم بمثل هذه الجرائم البشعة يتأكدون من أن الآباء على استعداد أن يفعلوا أى شيء فى سبيل عدم تعرض أبنائهم لأى أذى ولذلك تشكلت عصابات كثيرة لسرقة وخطف الأطفال الذين هم أغلى شيء عند الآباء. فالحال فى مصر تحول إلى ما يشبه «الكابوس المزعج» للآباء والأمهات، خاصة بعد كثرة حوادث اختطاف الأطفال فى الشارع المصري، وتحرير عشرات المحاضر منذ بداية الثورة وحتى الآن ضد غياب عدد من الأطفال وتغيبهم عن منازلهم من فترة مما ألقى بالرعب فى نفوس الآباء والأمهات، وقد تحولت ظاهرة اختطاف الأطفال كوسيلة لجلب الرزق لبعض العصابات المتخصصة فى ذلك خاصة فى ظل الفوضى الأمنية وعدم قدرة الشرطة على ضبط الجناة أو تعقبهم، خاصة بعد تصاعد أعمال العنف والبلطجة. وانتشرت جرائم خطف الأطفال فى الفترة الأخيرة فى محافظات الصعيد بطريقة ملحوظة وقد احتلت محافظتا سوهاج والمنيا النصيب الأكبر من عدد جرائم اختطاف الأطفال وذلك لما تشهده محافظات الصعيد من انفلات أمنى شديد ،حيث إن هناك العشرات من حالات الخطف التى لم تبلغ للشرطة وذلك لعدم ثقة المواطنين بالأمن واعتقادهم أنه لن يقدر على فعل أى شيء، ولذلك طالبوا الأهالى بإقالة القيادات الأمنية التى لم تعد قادرة على إعادة الأمن، حيث بلغت حالات الخطف 72 حالة منها 17 فتاة وطفل هذا مما ينذر بخطورة الوضع هناك ولم يقتصر الأمر على محافظات الصعيد فقط بل امتد الأمر إلى جميع محافظات الجمهورية التى ينتشر فيها الانفلات الأمنى بصورة كبيرة. وفى إطار ذلك رصدت "المصريون" آراء خبراء الأمن وبعض المواطنين الذين تم اختطاف أبنائهم من قبل بعض العصابات طلبًا للفدية. اللواء أحمد عبد الحليم: حالات اختطاف الأطفال لطلب الفدية من ذويهم نتيجة للانفلات الأمنى الموجود فى الشارع فى البداية، يقول اللواء أحمد عبد الحليم -الخبير الأمني- إنه بالفعل كثرت فى الآونة الأخيرة حالات اختطاف الأطفال لطلب الفدية من ذويهم وذلك نتيجة للانفلات الأمنى الموجود فى الشارع، والذى سببه عدم وجود قيادة واعية ولم يعرف الجهاز حتى الآن من يقوده وكل فترة وجيزة يتم تغيير القيادات وتعيين قيادات جديدة وعندما تبدأ فى العمل يتم تغيير هذه القيادات، مما أضعف جهاز الشرطة والذى أدى بدوره إلى زيادة الانفلات الأمنى ومعها زيادة البلطجة والعنف، ولكن إحقاقا للحق إن كل الحالات التى يتم الإبلاغ عنها تم التعامل معها وإعادتها إلى ذويهم، مشيرًا إلى أن هناك بعض الحالات لا تتم من قبل عصابات فمن الممكن أن تتم من أشخاص يدّعون أنهم مختطفون حتى يطلبون أموالًا من أهلهم، فهناك مثلًا فتاة فى سن المراهقة تريد أن تهرب مع شاب على علاقة به فتدعى موضوع الخطف حتى تبتز والدها ولكن خبرة رجال الأمن هى التى تقوم بالقبض على الجناة لأن معظمهم يقوم بهذه العملية لأول مرة فيقعون فى أخطاء كثيرة يستطيع الأمن الوصول إليهم. العميد محمود قطرى: يجب التعامل مع المدانين بجريمة خطف الأطفال بالسجن المشدد فى سياق آخر، يقول العميد محمود السيد قطرى -الخبير الأمني- إن هناك مجموعة من الجرائم التى طفت على السطح بعد الثورة بشكل كبير من أكثرها جرائم اختطاف الأطفال لإجبار أسرهم على دفع فدية كبيرة إضافة إلى قطع الطرق والاستيلاء على سيارات المواطنين تحت تهديد السلاح، وظهرت جرائم اختطاف الأطفال أمام المدارس وأصبحت فى الشارع بسبب الانفلات الأمنى، موضحًا أن الشرطة نجحت فى ضبط الجناة وإعادة جميع المختطفين إلى أسرهم ويجب التعامل مع المدانين بجريمة خطف الأطفال بالسجن المشدد لمدة تتراوح مابين 5 و15 سنة وتصل العقوبة إلى الاعدام إذا حدث فيها اعتداء جنسي. هروب عشرات الآلاف من المجرمين من السجون هو الذى أدى إلى انتشار ظاهرة خطف الأطفال بصورة كبيرة وفى نفس السياق، يؤكد اللواء زكريا حسين -المدير السابق لأكاديمية ناصر العسكرية العليا- أن جريمة اختطاف الأطفال وطلب فدية لإطلاق سراحهم تعتبر من الجرائم الجدية التى انتشرت بعد الثورة، فكان فى السابق نسمع عن وجود مثل هذه العصابات ولكن للاتجار بالأطفال أو بيع أعضائهم أو استغلالهم فى أعمال التسول ولكن اختلف الأمر بعد الثورة وأصبح الخطف من أجل طلب الفدية وسيلة جدية لجمع المال بطريق سريع، خاصة للمجرمين المبتدئين اللذين لا يشكلون عصابات، والذى ساعدهم على ذلك انتشار الفوضى والانفلات الأمنى وضياع هيبة الشرطة. بالإضافة إلى هروب عشرات الآلاف من المجرمين من السجون الذى أدى إلى انتشار ظاهرة خطف الأطفال بصورة كبيرة، وتختلف عملية خطف الأطفال من عصابة إلى أخرى فهناك العصابات الصغيرة التى تركز على فدية صغيرة من أسر عادية، وهناك عصابات أخرى تركز على أبناء المشاهير والأغنياء حتى يطلبوا فدية كبيرة فلا ننسى الحادثة الشهيرة التى حدثت بعد الثورة لابنة البرلمانى والسياسى عفت السادات والتى تم فيها طلب فديه قدرها 5 ملايين جنيه نظير إطلاق سراحها، ولكن تم القبض على مرتكبى الجريمة وإعادة المبلغ. ويقول محمد المصرى -مهندس من مركز ميت غمر بالمنصورة-: لقد عانيت عناءً شديدًا بسبب اختطاف ابنتى حيث إننى كنت متجهًا إلى بلدتى لقضاء الإجازة مع الأسرة وأنا فى الطريق ليلًا خرج علينا مجموعة من البلطجية وقاموا بتهديدنا بالسلاح وقاموا باختطاف ابنتى ثم بعد ذلك طلبوا فدية كبيرة وهددوا بقتل الطفلة إذا قمت بإبلاغ الشرطة، وظللت أعانى من ذلك وفى حالة يرثى لها وأنا واقف مكتوف الأيدى لا أستطيع أن أفعل شيئًا، ولكنى اتصلت بالشرطة وأبلغت عن الحادث واستمر خطف ابنتى لمدة يومين حتى استطاعة الشرطة تعقب الجناة وإعادة طفلتى إليّ. وفى السياق نفسه، يقول أحمد فتح الله -موظف من الجيزة- إنه مر أيضًا بهذا الحادث المرعب فقد تم اختطاف بنت شقيقته وهى عائدة من المدرسة وفى طريقها إلى البيت من قبل عصابة لخطف الأطفال وفى لحظة اكتشفنا غياب الطفلة وفوجئنا باتصال من المجرمين لطلب فدية حتى يستطيعوا إعادة الطفلة، وفى ظل خوفنا على الطفلة ما كان أمامنا إلا أن ندفع الفدية حتى تعود البنت وبالفعل فعلنا ذلك نتيجة الانفلات الأمنى الذى تعيشه مصر منذ اندلاع الثورة إلى الآن فلم يعد أحد يأمن على نفسه ولا على أولاده. وتقول سهى عبد اللطيف -ربة منزل من أرض اللواء- عشت أيامًا عصيبة بعد اختطاف ابنى الوحيد والذى يبلغ من العمر 10 سنوات وكنت انتظر عودته من المدرسة مثل كل يوم ولكنه فى هذا اليوم تأخر كثيرًا عن الميعاد المحدد له، وعندما شعرت بالقلق ذهبت لأبحث عنه فى كل مكان ولم أجده ومن هنا تأكد لى أن ابنى تم اختطافه فأسرعت إلى إبلاغ الشرطة على الرغم أننا فقدنا الثقة بالأمن بعد ما حدث فى ثورة يناير. ولكننا لم نجد غيره ليساعدنا فى عودة فلذات أكبادنا وبعد عدة أيام تلقيت اتصالًا من الطفل وهو يتحدث فى فزع ثم أخذ شخص ما الهاتف منه وأبلغنى أنه محتجز ابنى ويطلب فدية قدرها 50 ألف جنيه لعودة ابنى وتم تهديدى أنه إذا قمت بإبلاغ الشرطة فسيقتلون ابنى، وقمنا بجمع المبلغ من المعارف والأصدقاء وطلبوا مننا مقابلتنا فى أحد الأماكن البعيدة وبعدها تركنا الحقيبة التى كان بها المال فى مكان بعيد وتركوا لنا ابننا وهربوا بالسيارة ولم تتمكن الشرطة من القبض عليهم.