كثير من المفاهيم بل العديد من التعريفات التي تعد من بديهيات المعرفة أصبحت في حاجة إما إلى إعادة صياغة أو تفعيل مفهومها لدينا. فالمشهد العبثي الذي تعيشه الأمة حاليًا سببه الرئيسي ليس اختلافات أيديولوجية أو عقائدية بل هو في المقام الأول عدم القدرة على فهم الآخر من منطلق غياب البديهيات عن الكثيرين بل وتأويلها في غير محلها؛ مما يفقد هذه البديهيات كونها بديهية، ولذا لزم التوقف التام حتى نبدأ من بداية التكوين وتعريف السلطة فما هي السلطات الثلاث والتي أتمنى ألا تصبح بتكرار هذا المشهد العبثي أن تتحول إلى سلطات في أطباق على مائدة المغرضين. السلطة التشريعية: وهى المتمثلة في غرفتين متكاملتين هما مجلسا النواب والشورى ويتم انتخاب أعضائهم بالاقتراع الحر المباشر. بواسطة جموع الشعب الغفيرة ممن يمتلكون حق الاقتراع، وهو حق مكتسب لكل المصريين ممن بلغوا السن القانوني لمباشرة الحقوق السياسية؛ وبالتالي فهذه السلطة ممثلة للشعب تمثيلًا حقيقيًا طالما خرجت الجماهير لاختيار هاذين المجلسين دون وصاية من أحد؛ وطبقًا لآلية محددة للانتخابات وما يلزمها من نزاهة كاملة ووفقًا لصحيح الدستور وهي السلطة الأقرب إلى التمثيل الكامل لسلطان إرادة الشعب في هذا الاختيار. السلطة التنفيذية: وهي المتمثلة في قيادة دفة الأمة متمثلة في رئيس الدولة بمشاركة رئيس الوزراء والحكومة وهي أيضًا سلطة منتخبة انتخابًا مباشرًا لرئيس الجمهورية بشخصه وغير مباشر لرئيس الوزراء نتيجة تكليف الرئيس لأكثر الأحزاب حظوظًا لنيل ثقة الناخبين سواء كانت أغلبية مطلقة أو بالتحالف بين القوى الأكثر حظوظًا والأكثر عددًا للنواب في مجلس النواب لتشكيل الوزارة وهو ما يعنى نسبيًا الاحتكام إلى الشعب في ضبط آلية وحركة السلطة التنفيذية من حيث سحب الثقة أو محاسبة الحكومة ورئيس الدولة عن الأداء والالتزام بالدستور وهذا ما يؤكد تحقيق سلطان الإرادة لدى الشعب في اختيار من يحكمه ويدير دفة وحركة الإنتاج وهو صاحب الحق بل والوحيد في التغيير أو الإبقاء على هذه السلطة. العدل أساس الملك هو ما نأمله في السلطة القضائية فتكوين السلطة القضائية هو تكوين بعيد تمامًا عن رقابة أو اختيار الأمة لهذه السلطة فتبدأ قاعدة هذه السلطة في التكوين سواء كأجهزة رقابية أو سلطات الفصل في المنازعات بدرجات القضاء المختلفة بنظام التعيين كباقي أفراد أو موظفي الدولة العموميين ويتم الترقي بين القاعدة العريضة لممثلي هذه السلطة حتى الوصول إلى هرم تلك السلطة وهي تتشكل بحكم القانون أو نصوص الدستور بما يتعلق بالسلطة القضائية ولكي نتصور الانفصال لهذه السلطة عن الرقابة الشعبية فلدينا تساؤل كيف يتم محاسبة القضاة سواء المجلس الأعلى للقضاء أو حتى جموع القضاة أنفسهم؟ هل هناك قانون خاص ينظم العلاقة بين هذه السلطة والأمة تحقيقًا لسلطان إرادة الشعب من حيث الرقابة والمحاسبة وسحب الثقة مثلًا...! أليس الشعب مصدر كل السلطات؟ أليس الشعب هو الموكل إليه سواء باختياره للبرلمان بغرفتيه محاسبة السلطة التنفيذية وإسقاط وسحب الثقة من السلطة التنفيذية في حال تقصيرها في أداء مهامها؟ فلماذا يستبعد الشعب في معاملة السلطة القضائية بالمثل؟.. طبعًا الأمر في غاية الصعوبة والتداخل بين السلطات وجور سلطة على أخرى من منطلق غياب دور الرقابة الشعبية أي رقابة الشعب على السلطة القضائية هو ما يضعنا بين أمرين كلاهما مر هما إما تغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية أو لا رقابة مطلقًا على السلطة القضائية. نعم يقينًا يجب أن يظل القضاء حرًا مستقلًا غير تابع أو مسيّس بعيدًا عن مكبلات السلطة التنفيذية، بل وأيضًا يجب أن ننأى به عن سطوة البرلمان بغرفتيه لأن متغيرات الاختيار لهذا البرلمان كثيرة فيمكن لفصيل ما أن يكن له من الحظوظ الحالية ما يفقدها مستقبلًا وبالتالي فاستقلال القضاء يجب أن يكون بعيدًا عن تلك المتغيرات. ولذا كان لزامًا أن نعيد الأمر إلى أصله وهو الشعب بكتلته الانتخابية لإجراء استفتاء على قانون تلك السلطة التي تعد وبحق أهم السلطات الثلاث فانحرافها يعنى ضياع مستقبل هذه الأمة وهذا ما يدعونا إلى الحفاظ على نقاء ثوبها وتنقيته من أية شوائب تعلق أو علقت به وإن كنت أرى أن نخلق مجمعًا انتخابيًا وليكن قوامه مليون مصري يتم اختيارهم من أهل الحل والعقد وهو ما يتفق وصحيح الشرع بمختلف انتماءاتهم ليكون التصويت من خلالهم على قانون تلك السلطة القضائية والذي يعده عقلاء القضاء بمشاركة البرلمان وبرعاية السلطة التنفيذية ولابد أن نعى أن العلاقة بين السلطات هي العلاقة التكاملية وليست التنافسية أو السلطوية الجائرة من طرف على آخر. ولذا لابد للجان الإلكترونية أن تتوقف عن إظهار الفساد وتلويث ثوب القضاء بما ليس فيه حتى نستطيع لم الشمل فأهل المحروسة ينتظرون الكثير والالتفاف لإيجاد الحلول فالعمل الإيجابي هو وحده من يبطل تأثير العمل السلبي. والبعد عن ذل الطاعة العمياء لفكرة ما والاغتراف من صنابير الوطنية المتأصلة في شعب المحروسة بسياسة الاحتواء بعيدًا عن الإقصاء هو من سيصنع المستقبل بل والنهضة لهذه الأمة. وتتحقق الريادة والقيادة واسترداد القوى الناعمة لأهل المحروسة التي افتقدوها في ظل الحكم الجائر. ولذا فالأحلام مازالت ممكنة وإلى أن نجد رجالًا لهذه الأحلام اسلمي يا بلادي ولك منى السلامة. م / عصام العباسي استشار هندسى ومحكم دولى