يوم 12 يناير الجاري، هزَّ أسوأ زلزال منذ 200 سنة دولة هايتي الواقعة في البحر الكاريبي. وبالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، يُعاني هذا البلد من الفقر والفساد والعُنف السياسي والبيئة المُدَمّرة، كما ذكرت إحدى مُمثلات الإغاثة السويسرية. جزيرة تحاصرها المشاكل يشار إلى أن جمهورية هايتي تعاني منذ زمن من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي ويلفها الفقر والجريمة والفساد وسوء الإدارة والعنف السياسي والانقلابات العسكرية والتدهور البيئي، فضلا عن الكوارث الطبيعية. وقد تحولت الدولة الكاريبية التي كانت ذات يوم مستعمرة فرنسية ترفل بالغنى، إلى دولة تعاني فقرا مدقعا وفوضى عارمة. وتقول جيزلا فاتندورف: "كل مُشكلة تحدث تِلو الأخرى، وجميع هذه المشاكل مُرتبِطة بِبَعضها"، قبل أن تضيف: "التّدهور البيئي في حالة سيئة للغاية". وغالبا ما تحدُث الفيضانات بعد هُطول الأمطار بسبب تآكل التربة وقطْع الأشجار في الغابات. وبالطبع، تعود أسباب ذلك أيضاً إلى سياسة سيِّئة أو غير موجودة أصلاً". وتؤدّي الكوارث الطبيعية، كالزلازل والجفاف، إلى تَفاقُم أوضاع سُكّان هايتي، الذين يبلغ عددهم نحو 9 ملايين نسمة، بشكل مُتَكرر، وبالتالي، توفي أكثر من 5،500 شخص بسبب الأعاصير والفيضانات في الأعوام ما بين 2004 و2008 فقط، وبقي حوالي 1.1 مليون شخص بلا مأوى. وتقول مديرة برنامج كاريتاس في هايتي إن مؤسسات الدولة ضعيفة جداً، وتشرح قائلة: "ليست هناك إستراتيجية موَحّدة حول كيفية وضْع هذه المشاكل البيئية تحت السَّيطرة"، وهذه الفيضانات قد تزيد من حِدّة الفقر. وتضيف: "الناس هنا فقراء جداً، حيث يحصل 80% من السكان على دولارين يومياً، بل ويحصل 50% منهم على أقل من ذلك، حيث أن ما يدخل جيوبهم قد لا يصِل حتى إلى دولار أمريكي واحد، وهي حالة خطيرة للغاية". مرة أخرى، ثم أخرى، العنف السياسي يعود العُنف السياسي في هايتي دائماً، وهي واحدة من البلدان التي يوجد فيها أكبر عدد من الانقلابات السياسية، حيث بَلَغ عدد الانقلابات العسكرية وحدها أكثر من 30 انقلابا. وتقول السيدة فاتندورف: "كثيرا ما يتغيّر الرؤساء وتجري دائِما محاولات للبدْء من جديد، ولكن لا أحد يعثُر على حلٍّ للمشاكل". واكتسبت الدولة المجاورة لجمهورية الدومينيكان سُمعة سيئة وحزينة خلال ما يقرب من 30 عاماً من الحُكم الديكتاتوري لعائلة فرانسوا دوفاليي، الذي حكم هايتي من عام 1957 حتى عام 1970. وقد لقي عشرات الآلاف من الهايتيين مصرعهم خلال فترة الحُكم الوحشي لدوفاليي الأب الملقّب ب "بابا دوك". وبعد وفاته، لم يكن ابنه جان كلود الذي واصل حُكم أسرة دوفاليي والملقب ب "بيبي دوك" أقل قسوة أو دكتاتورية. وجاءت نهاية هذا الحُكم أخيراً في عام 1986، عندما أجبرته "ثورة الجُياع" على الفِرار إلى فرنسا بمساعدة أمريكية. وكانت هناك لُعبة شَدِّ حبلٍ قانونية استمرّت لعدّة سنوات بين عشيرة دوفاليي وسويسرا، تتعلق بأموال الديكتاتور المخلوع. وفي شهر أغسطس 2009، رفضَت المحكمة الجنائية الفدرالية الإستئناف النهائي ضدّ إفراج سويسرا عن أموال دوفاليي المُجَمّدة والبالغة حوالي 7 مليون فرنك سويسرا، وبذلك عادت الأموال إلى جمهورية هايتي. وتقول جيزلا فاتَّندورف، مديرة برنامج منظمة كاريتاس سويسرا في هايتي منذ 6 أعوام: "إن الوضع بالنِّسبة لِسُكان هايتي سيِّئ، حيث ينام النّاجون في العراء ويبحثون بين الانقاض عن أقارب مفقودين"، وأضافت: "لقد كانت لديْنا اتِّصالات أولية مع مُنسِّقنا في الموقِع، الذي لم يتمكّن من التجوّل بسيارته كثيراً بسبب الطُّرق المَدمَّرة، كما كانت الاتصالات الهاتفية معه سيِّئة للغاية." وذكرت فاتندورف أمام swissinfo.ch، وعن لسان المُنسِّق من بور أوبرانس- عاصمة هايتي وأكبر مُدُنها - أن بعثة الأممالمتحدة، والتي تسمّى إختصاراً "Minustah" أو (بعثة الأممالمتحدة لتحقيق الإستقرار في هايتي) قد دُمِّرَت أيضاً، وأضافت: "لقد انهار المبنى الذي تجمَّع فيه موظَّفو الأممالمتحدة" كما انهارت العديد من المباني، وفي مقدِّمتها تلك الواقعة في وسط المدينة، ولاسيما الأحياء الفقيرة. واستطردت فاتندورف قائِلة: "مِن بين الأبنية المُنهارة، مكتب تنسيق كاريتاس سويسرا وكذلك الكاتدرائية والمباني الحكومية". تغييرات بدون تحسّن وبعد سنوات من الفوضى والانقلابات العسكرية المُتكرِّرة، إنتُخب الكاهن الكاثوليكي جان برتران أريستيد كرئيس جديد للبلاد نهاية عام 1990، غير أن حامل آمال الشعب تَعَرَّض للإطاحة به على يَد الجيش وأُرغِم على الذّهاب إلى المَنفى عام 1991. ولم يستطِع أريستيد العودة إلى هايتي إلا في خريف عام 1994، بعد تَدَخّل 20،000 جندي أمريكي. ولكن آمال الهايتيين للمزيد من الهدوء والأمن، لم تَدُم هذه المرّة لفترةٍ طويلة أيضاً. ومنذ بداية أرستيد فترته الانتخابية الثانية في فبراير 2001، واجهته اتهامات بتزوير الانتخابات وإساءة استخدام السلطة والفساد. ولم تعترف المعارضة بفوزه في الإنتخابات ونَظَّمت احتجاجات واسعة النطاق. وفي 29 فبراير 2004، أطيح بأريستيد في تمرّدٍ دموي وبِضغوط من الولاياتالمتحدةوفرنسا. ومنذ ذلك الحين، تقع مهمّة تحقيق الأمن والنظام هناك على عاتق بِعثة الأممالمتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي(Minustah) . وتعلّق جيزلا فاتندورف قائِلة: "لقد حدثت تغييرات عديدة في البلد، ولكن الأمور لم تتحسّن" وقد هدأت الحالة السياسية قليلاً في الأشهر الأخيرة. وحسب فاتندورف: "بالنسبة للعلاقات الهايتية، لم تكن الأمور سيِّئة للغاية"، ولكن كارثة الزلزال ستكون بالتأكيد ذات تأثير خطير على السياسة، التي لا تزال غير مُستقرّة لحدّ الآن. وتشير جيزيلا فاتندورف إلى النفوذ الدولي في هايتي بقولها: "في كثير من الأحيان تَتَدَخّل الحكومات الأجنبية ويكون لها تأثير على الإقتصاد في هايتي، ولكن هذا التدخل ليس لِلأفضل دائما". وقد كان لِلواردات من الخارج، وخاصة من الولاياتالمتحدة، أثر سَلبي على الأسعار في البلد". وحسب فاتندورف، كان الأرز المُستورَد أرخص سِعراً من نفس المُنتج في السوق المحلية، مما أدّى إلى تراجُع إنتاج الأرز في هايتي". وبصورة عامة، فإن الزراعة المَحَلِية في وضْعٍ حسّاسٍ جداً، حيث أصبحت عواقِب الكوارث الطبيعية مُدَمِّرة بصورة أكبَر، نظراً لأن جميع الغابات مستأصَلة تقريبا، وبسبب عدم خصوبة التُّربة نتيجة هذا الإستئصال، فإن ما يزرعه المزارعون لا يُغَطي بالكاد نِصف الإحتياجات الغذائية، وِفقا لمُنظمة الأغذية والزراعة. ولا يستطيع العديد من سكان هايتي دفْع ثمن الأغذية الأساسية، كما دفع الفقر والعنف في العقْد الماضي نحو ثلاثة مليون من الهايتيين للهِجرة إلى البلدان الغنية، وهي حالة تصِفها جيزلا فاتندورف: ب "الاتجاه الذي سيستمِر حتى بعد وقوع الزلزال". المصدر: سويس انفو