دعونا نكتب عن الكبار.. عن القامات السامقة، دعونا نعرّف الناس -بعض الناس- و نجدد التعريف للبعض منهم بهذا المتفرد الذي يُراد له أن يكون طي النسيان – حسداً من عند أنفسهم. • لقد عافت النفس مطالعة ما يكتبه "الصغار" –و هو كثير.. كثير.. و كأنهم يتنافسون في عالم "الصغائر".. فكانوا بحق "صغاراً". كم يبلغ العقوق مداه عندما يحال بين الشباب و بين ما يقوله أولئك الكبار المخلصون، و ما يشيعونه من دفء الأبوة الحانية مصحوباً بالقيم العظيمة التي يفتقر إليها الشباب؟ • منذ سنوات زارني أخ فاضل –ليس مصرياً- و تربطني به صلة أخوة – في الله تعالى – قديمة، قال لي [كنا في عَمان – عاصمة الأردن – نحضر اجتماع لجنة من اللجان العامة، و كان معنا في اللجنة الأستاذ العظيم – هكذا قال – و بدأ يحلّق و ينداح حديثه هنا و هناك... و لأول مرة نسمع شيئاً مغايراً لكل ما عهدناه من قبل... لقد قدم لنا رؤية في الإعلام و السياسة نحتاجها و شعرنا أن الرجل يمتلك خريطة فكرية لكيفية إدارة الأمة لواجباتها، و بعد أن ودّعناه على أمل أن نلقاه في الاجتماع القادم – و كان دورياً – فوجئنا بغيابه، و لما سألنا عنه، قيل لنا: لقد أصبح خارج الصف] • لا تعليق الآن على هذه الحكاية و قد أخذتها من دفاتر مذكراتي، فقط أريد أن أقول: لقد آن الأوان أن يعرف الجميع، خاصة الشباب، عن هؤلاء الكبار الذين شاركوا في صياغة هذا البناء، و للعلم فإن هذا الرجل الشامخ من أكثر من واجه التعذيب عام 1965، مع انه – كما قال- لم يكن من الراضين على ما حدث !! • لقد شكا "عمر عبد الفتاح التلمساني" لأخيه "محمد فريد عبد الخالق" – و القصة موثقة و معروفة- عن "الرهط" الذي حوله و كان من بقايا النظام الخاص و يرجوه أن يبقى بجواره يؤازره و يعضده، حتى يمارس دوره المنوط به دون معوقات و لكن هيهات.. • إني أنصح – الباحثين عن الحقيقة – أن يلتقوا بالرجل قبل فوات الأوان، ليعلموا الحقيقة منه شخصياً، فهناك حوادث التزم فيها الصمت، فكما قال الإمام مالك رحمة الله (ما كل ما يعلم يقال، و لا كل ما يقال حضر أوانه، و لا كل ما حضر أوانه حضر رجاله). • قبل عامين تقريباً، رآني أخ قديم في إحدى المناسبات، و كانت وفاة حرم أستاذنا – رحمها الله تعالى - حديثة عهد، و أخبرته بأنني مع د. عصام الشربيني قد أرسلنا برقية تعزية إليه، و أعطيته العنوان، بل عرضت عليه أن أرسل برقية باسمه رغم أن إدارة البرقيات قد تطلب البطاقة الشخصية، فكان رده (أنتم المصريون مغرمون بالشكليات..... لا داعي)، هذا الأخ القديم كان أحد تلاميذ أستاذنا.. و هكذا يكون حسن الجزاء!!! • الحديث من محبّي الرجل يطول، و قد يتعرض لبعض ما كره الإمام مالك، و من ثم أرجئ الحديث و أختم بحصول أستاذنا على شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية و هو في الخامسة و التسعين من عمره، حيث كانت أطروحته ( الاحتساب على ذوي الجاه و السلطان) و الرسالة - في حد ذاتها – فتح كبير في نظام الحسبة و الشورى، و هما نظامان تحتاجهما أنظمة الحكم، و قد نعود في مقال مستقل إلى الحديث عن الرسالة ذاتها، أما صاحب الرسالة فيمثل أكبر باحث في العالم يوضع في مؤسسة (جينيس العالمية)، أوليس هذا دليلاً صادقاً على حيوية الرجل – في هذا العمر – و هو أمر غير مسبوق، و دافعاً للشباب أن هلمّوا نحو العلا مهما كانت الصعاب! [email protected]