من وقت لآخر تتكشف حقائق جديدة عن الغزو الأمريكي لأفغانستان، وأنه لم يكن مرتبطًا بأحداث 11 سبتمبر الشهيرة، أو المحاولات الأمريكية للقبض على زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، أو تطويق صفوف التنظيم، وإنما كانت له أبعاد أخرى تخصّ المصالح الأمريكية، والسيطرة على ثروات الآخرين. ووفق ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أخيرًا فإن الحرب على أفغانستان كانت تستهدف أنابيب البترول بالدرجة الأولى، وأن مفاوضات أمريكية كانت تجرَى مع حركة "طالبان" للسيطرة الأمريكية على حقول النفط في أفغانستان، وأنه كان هناك إصرار أمريكي على ضرب أفغانستان في شهر أكتوبر من العام 2001، وكان هذا التفكير قبل وقوع الأحداث الشهيرة. إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن كثيرًا من الأمريكيين يعترفون بأن الحرب على أفغانستان مزقتهم كثيرًا، وأن الأوضاع لم تستقرّ تمامًا حتى الآن بالنسبة لهم، بالشكل الذي يحقق الفائدة القصوى والدائمة، وذلك حسب قول "شيفرون تكساكو" بشركة النفط الأمريكية العملاقة، ويرى أن هذه المهمَّة الخاصة بإدارة بوش لم تكتمل بعد، "ويبدو أن الرئيس أوباما عازم على إكمالها". وأيًّا كانت صحة التسريبات بشأن تسليم أسامة بن لادن للإدارة الأمريكية من عدمه قبل أحداث سبتمبر، فإنها تكشف عن رغبة قوية في مواجهة حركة "طالبان" عسكريًّا، حتى اتخذت أمريكا هذه الأحداث ذريعةً لضرب أفغانستان، وإسقاط حركة "طالبان"، وكان لها ما أرادت. السيطرة على النفط وفي هذا السياق، فقد سبق أن صدرت تسريبات عن الإدارة الأمريكية بأنه عندما تولى "جورج بوش" رئاسة الحكم تلقى عرضًا من حركة "طالبان" وقت أن كانت في زمام السلطة لتسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة للأمريكيين، إلا أن إدارة بوش رفضت العرض ثلاث مرات في الأشهر التسع التي سبقت أحداث سبتمبر. وكانت إدارة بوش تتفاوض آنذاك مع حركة "طالبان" حول خطوط أنابيب نفط تعبر أفغانستان، وهو المشروع الذي كانت تسعى إلى تطبيقه شركة "أونوكال" البترولية الأمريكية باستماتة. وفي تلك الفترة سربت إدارة جورج بوش أنباء تفيد عزمَها على القيام بعمل عسكري في أفغانستان "قبل حلول منتصف أكتوبر، إذا فشلت مفاوضات خطوط الأنابيب". إلا أن المفاوضات فشلت في آخر جولة تفاوض في إسلام أباد بباكستان في 2 أغسطس من العام 2001، إلا أنه وبعد مرور ستة أسابيع، وتحديدًا في 11 سبتمبر ضرب تنظيم القاعدة أمريكا في عُقر دارها، ودمَّر برجي التجارة في نيويورك، وكان ذلك تحولًا كبيرًا في مُجريات الأمور والأوضاع العالمية. وعلى الفور لطفت حركة "طالبان" من عرضِها والمتعلق بتسليم بن لادن، وترافق مع عرضها كذلك إقفال قواعدِه ومعسكراته التدريبية، ولكنها علقت ذلك بضرورة امتناع الولاياتالمتحدة عن شن عمليات قصف انتقامية على أفغانستان. حكومة عميلة ولكن إدارة بوش واصلت رفضها، وفي 7 أكتوبر من العام 2001، كانت كابول على موعد من تحدٍّ جديد، بقصف أمريكا لها بشدة، ونفَّذت وعدها الذي كانت قد قطعته على نفسها قبل عدة أشهر من تدمير برجي التجارة، بغزو أفغانستان في حال فشل صفقة البترول. وعلى عجل عينت إدارة بوش حامد كرزاي، الذي كان في السابق مستشارًا لشركة "أونوكال"، ليصبح رئيسًا مؤقتًا للحكومة الأفغانية، ووقع كرزاي عقدًا مع الرئيس الباكستاني -آنذاك- برويز مشرف لمشروع خط أنابيب يمر بالبلدين، وفي غضون عام واحد فقط، أكملت إدارة بوش تحضيراتها لتمويل تشييد خط الأنابيب، عبر ثلاث هيئات فيدرالية. ووقتها أعلنت نشرة صحفية تابعة للصناعة النفطية الأمريكية ما يلي: "الولاياتالمتحدة مستعدة لضبط ومراقبة تشييد خط الأنابيب عبر تمركز دائم لقواتها في المنطقة"، وزادت على ذلك بأن "المعركة الأهم في أفغانستان، والنجاح فيها يفترض أن يكون إلزاميًّا وحتميًّا". وعلى الرغم من الهزائم التي يمنى بها جيش الاحتلال في أفغانستان، فقد كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما حريصًا على تنفيذ مخطط التوسع الأمريكي، ففي مطلع العام الماضي أرسل قرابة 21000 جندي لأفغانستان، ومؤخرًا أرسل 30 ألفًا. وبشكل غير ملاحظ ولا ينشر في وسائل وأجهزة الإعلام، ازدادت نسبة "المتعاقدين" شبه العسكريين في أفغانستان بنحو 40%، فيما يبلغ حاليًا عدد المرتزقة الذين تم نشرهم في البلاد بنحو 104 آلاف مرتزق. ولخدمة هذا التوجه، قامت الولاياتالمتحدة بترميم 102 قاعدة عسكرية في أفغانستان، و32 معسكرًا، وأقامت 37 قاعدة عمليات هجومية، و15 قاعدة جوية، ومجمعين سكنيين (واحد في غارديز والثاني في كابول)، وكذلك 16 مهبط طائرات. بالإضافة إلى إقامتها لقاعدة مكونة من 15 قاعدة مدفعية، وهذه- حسبما يكشف الكاتب الأمريكي ريتشارد. دبليو. بيهان، وهو مؤلف وبروفيسور في علوم البيئة والحياة البرية- فإن القواعد تغطي طرق أنابيب البترول، "وبلا جدال، ستكون خطوط الأنابيب محمية جيدًا، عندما يتم تشييدها". كل ذلك يكشف أن المصالح الأمريكية كانت هي الأساس في غزو أفغانستان، وليس بغرض القبض على زعيم تنظيم القاعدة، والذي لم تفلح الإدارة الأمريكية حتى الآن في القبض عليه، أو قتله، كما زعمت في غزوها لكابول، وهو نفس "السيناريو" الذي تكرَّر في المشهد العراقي بالسيطرة على نفطه، بدعوى إسقاط نظام صدام حسين، وتدمير أسلحة الدمار الشامل المزعومة. المصدر: الإسلام اليوم