كانت عسير كما أعرفها وتهامة في أبهى بهيتها كان ذلك في مساء الثلاثاء الماضي لإجابة دعوة فضيلة الأخ العزيز المفكر الإسلامي والشخصية الوطنية القديرة لجنوبنا الحبيب وللوطن السعودي الشيخ عوض القرني لإلقاء محاضرة في ثلوثيته الأدبية...وهي أربع وعشرون ساعة من أجمل رحلاتي الوطنية وهذا التكامل الذي يجهله بعض الناس في جنوبنا الوطني ليس مفاجئاً لي فعسير الجبال هي جبال من رجال وثقافة ووعي ومتابعة وفهم أمّا الكرم فكأنهم ولدوا ليتسابقوا عليه ومن أجمل ما اغتبطت به ثلة من الشباب تَزين بهم المجالس والمعاهد. ولكنني هنا سأتوقف عند حوار مهم مع فضيلة الشيخ عوض القرني بعد المحاضرة نقلني إلى أجواء هذا المقال وهو سؤالي عن تقييمه لجولة الحوار الوطني الأخيرة وبعد نقاش تساءلت عن قصة الحوار ماذا يريد؟ وكان ما طرحه الشيخ أبو عبد الحكيم في صلب ما يدور في نفسي حيث ابلغني انه طلب من الملتقى أن يكون الحوار الوطني القادم عن الحوار الوطني ماذا حقق وماذا يريد؟ أُعجبت بطرح الشيخ في هذه وأيضا في طرحه في الحوار لمعادلة محسومة لدى الفكر الإنساني والإسلامي خصوصا بأن انتظام المجتمعات يقوم على قاعدة الحقوق والواجبات . وهو برأيي ما لم يُطرح مع الأسف في كل جولات الحوار ولقد علمت من مصادر شتّى أكدها لي فضيلة الشيخ أن الحوار اخذ بُعد المناظرة بين التيار العلماني أو الليبرالي وبعض أطياف التيار الإسلامي وهي قصة يبدوا أنها باتت مكرورة ليس لان قواعد التناظر والنقاش ووجود خلافات جدية بين التيارات الفكرية ليس مهماً ويَحتاج إلى ميادين تكفله خاصة مع ما طُرح من تصادم بين المتحاورين في قضية المرجعية الدستورية للمجتمع هل هي التشريع الإسلامي الأصلي بلا تعديل ولا انتقاص أو استنساخ صور مشوهة من الواقع أو أنها من مطلق العقل الحديث أي أصل الفكرة العلمانية ..ومع كل هذا الانقسام والتفصيل فإنني اعتقد أنّ الهدف الذي كان مؤملاً من الحوار ليس هو ما ينفذه الآن , أي أن الحوار الوطني بكامل مؤسسته تحوّل إلى مدير مناظرات تُصعّد بين الأطياف الفكرية ولا تُوائم بينهم حتّى في المشتركات بل وخاصة في المشتركات الوطنية والإنسانية ومن الواضح أن إدراة الحوار الوطني تستدعي هذا الصراع لان هذه الحالة كانت موجودة منذ الجولة الأولى فإما أنّ الحوار فشل في حسمها أو تنظيمها في مسار فكري أو أنّها هي هدف دوري تسعى المؤسسة لتكريسه وأكاد اجزم بان هدف المليك لم يكن أبداً هذه النتيجة . إن استعراض الخطاب الشعبي والهم الوطني واستحضار ثقافة فاجعة جدة وخاصة لغة القيادة العليا وقياسها بواقع الحوار الوطني تُعطي دلالة قوية على حجم الفجوة بين طموح الشعب وبين دورات الحوار الوطني , بل إن أبجديات الإعداد لطاولة حوار وطني مركزي في قضايا الوطن منعدمة لدى المؤسسة حيث أن ورش التدريب وبرنامج المناظرات لو افترضنا انه بالفعل يُحتاج إليه فبالإمكان أن يكون مسارا موازيا أو ينقل للأندية الأدبية أو الجامعات بالمشاركة مع مركز الملك عبد العزيز. أمّا الهم الوطني فانه يَنصبُ على قضية الفساد المركزي والفرعي وردم النقص في دخل الفرد والآليات الأفضل لتوزيع الثروة ومنع التسرب الضخم للمال العام الذي أعلنه المليك بذاته , وأين يجب أن يُنطلق في عالم الإصلاح والحقوق المدنية المقررة إسلاميا وضمان عدم تعرض المواطن للمسائلة أو التوقيف ما دام في دائرة التعبير السلمي وعدم خرق الثوابت المتفق عليها ...فهل ناقش الحوار كجولة مخصصة ذلك ..وهل رفعت توصيات بهذا الشأن..؟ وان كانت رُفعت فأين تعثرت..؟ وهي مسألةٌ تحتاج أيضاً إلى آلية تنفيذية تحركها أو تشرح للناس لماذا لم تصل التوصيات إلى التنفيذ . ومنذ قرابة العام تحدثت في دراسة لمركز أبحاث الخليج بدبي عن معنى التقنين الدستوري للنظام القضائي السعودي وإعلان الملك اعتنائه به شخصيا وتطبيقه وان ذلك يقطع أي عذر على منع تدوين الدستور الإسلامي ويُحتّم كتابته وكنت قد ناديت بذلك في الوطن السعودية قبل أكثر من سبعة أعوام ..فلماذا الدستور مهم ويجب أن يحظى بجولة متقدمة من الحوار الوطني ...لأنه ببساطة يكفل تنظيم العلاقة بين الفرد والدولة في نصوص مكتوبة يجب أن تنطلق من قواعد الحريات والشورى المركزية للمجتمع كما في الفقه الدستوري الإسلامي المستخلص من العهد الراشد الذي ارتضاه الشارع وزكّاه ...وتبعاً لذلك تُعقد عدة مؤتمرات في السنة لما تستوجبه نقل الحالة الحقوقية والشراكة الشعبية إلى مدرات فعّالة من نقد تجربة المجالس البلدية المعوقة وصولاً إلى البرلمان المنتخب وإطلاق منظمات المجتمع المدني ..وتحريك الجدل الموضوعي عن أزمة الإعلام الداخلي أو الممول من الوطن ...كل تلك القضايا لها رصيد شعبي وحاجة وطنية ماسّة يؤمن بها الناس وتطرقت لها القيادة العليا فلماذا لا تنعكس على الحوار الوطني..؟ ...السؤال مفتوح لمن يملك الإجابة.