أثبتت التجارب العالمية أن المؤسسات التي تمتلك القوة على الأرض (الجيش والشرطة) تمثل أهم عوامل نجاح الثورات الشعبية, ولا يخفى على أحد حاليًا أهمية وحساسية تطوير وزارة الداخلية بما يتناسب مع أحدث ما وصل إليه العالم لحفظ الأمن القومي ودعم التنمية. -لقد لاحظنا أن معظم الصدامات التي حدثت بدأت بحراك سلمي طلبًا لحقوق مشروعة لكن تم استغلالها لتدبير مذابح عن طريق تمويل استئجار بلطجية لأحداث فوضى عامة, أي أن الحالة الأمنية المتردية لم تكن بالأساس نتيجة لانفلات أمنى كظاهرة منتشرة مجتمعيًا, كان لابد لأجهزة الشرطة أن تنجح في حصر مؤثرات الصراع السياسي في إطاره فقط دون تهديد أمن المواطنين والمجتمع ومؤسسات الدولة, -ويبدأ التطوير بتغيير البنية الفكرية من "العسكرة" إلى "المدينة" بفتح الياء, فالوظيفة الأساسية هي حفظ أمن المواطنين والمجتمع ومؤسساته وليس حفظ أمن الحاكم ونظام الحكم, فتفعيل الديمقراطية والحريات العامة المقررة دستوريًا هي السبيل الوحيد لتأمين الحاكم,"حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر", -والأمثلة كثيرة على تغيير البنية الفكرية خصوصًا للقيادات فمن غير المقبول تصريح وزير داخلية سابق لمعالجة ظاهرة "ضباط اللحية" حيث قال نصًا, إن اللحية مرفوضة بسبب حسن المظهر والهندام, لأن في ذلك هجوم على هوية وثقافة الشعب المقررة دستوريًا لأن إطلاق اللحية سنة نبوية بإجماع جميع المذاهب فكيف يجهل مسئول كبير هذه البدهيات, ولا يعنى ذلك ضرورة السماح للضباط بإطلاق اللحية فهذه قضية فرعية يتم التعامل معها بالطرق المشروعة, ثم يستكمل التغيير كالآتي: -أولًا: كلية الشرطة: المعلوم أن ضابط الشرطة يعمل في عمق المجتمع المدني بين المواطنين وليس على الحدود أو بالمعسكرات مثل ضابط الجيش فلماذا يتم عسكرة الكلية؟؟المقترح أن يذهب طالب الشرطة إلى الكلية ويعود لمنزله يوميًا مثل كل الكليات مع ضرورة وجود كليات شرطة مختلفة بعدة محافظات وتكون تابعة لإدارة الجامعة الموجودة في المحيط الجغرافي مثل باقي الكليات مع وجود إدارة مشتركة مع وزارة الداخلية بخصوص الجانب الفني الشرطي. - ثانيًا: وزارة الداخلية: يكون الوزير شخصية مدنية سياسية لتحقيق أجندة أمنية لحساب المواطنين في دولة مدنية ديمقراطية بدلًا من شخصية أمنية لتحقيق أجندة سياسية لحساب سيطرة الحاكم الديكتاتور في دولة بوليسية. -جعلها وزارة "للشرطة" فقط وليس "للداخلية" يعنى حصر سيطرتها على المجالات الأمنية فقط فما علاقتها بقرعة الحج والسجل المدني وجوازات السفر والرقابة على المصنفات الفنية والتعيينات بالمناصب الرسمية بالوزارات والجامعات والهيئات وخلافه, كما يتم نقل قطاع الأمن المركزي ليتبع رئيس الوزراء وتكون مهمته تنظيم المظاهرات ومكافحة الاضطرابات الواسعة التي تحتاج لقرار سياسي, أما جهاز الأمن الوطني فمهمته مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة مثل(FBI) في أمريكا الذي يرفع تقاريره لمجلس الأمن القومي, الوزارة مسئولة فقط عن الأمن وليس عن كل الأوضاع الداخلية, سابقًا تم تركيز كل النفوذ تحت قبضة الداخلية لقهر المجتمع لحساب الديكتاتور لأنه لا يمتلك الشعبية والشرعية. -يستحيل إدارة أمن دولة كبيرة مثل مصر تكتيكيًا تفصيليًا بشكل مركزي مثل الآن إلا لاستهداف الدولة البوليسية, المقترح هو مديريات أمن مستقلة تحت سلطة المحافظ المدني المنتخب بكل محافظة مع إدارة مشتركة مع "الداخلية" بشأن الجانب الشرطي الفني, معلوم أن هناك اختلافًا كبيرًا في الفلسفة الأمنية بين محافظات الصعيد والوجه البحري والسواحل وبدو سيناء, وكما هو ملاحظ في اختلافات الفلسفة الأمنية والقوانين فيما بين الولايات المختلفة في أمريكا مع اشتراك الجميع في السياسات الأمنية الاستراتيجية للدولة ككل. -وأخيرًا يفضل التوسع في الشرطة النسائية لما لها من استخدامات خاصة أحيانًا لا يستطيعها الرجال مثل التعامل مع نساء المجتمع وخلافه كما يلزم رفع مستوى التجهيزات التكنولوجية للداخلية بما يتناسب مع العالم, أيضًا لا داعي لعسكرة الرتب الوظيفية مثل لواء وعميد ونقيب, فمثل معظم دول العالم الديمقراطي, الضابط موظف مدني وليس عسكريًا وله زى رسمي مدني بدون نياشين ولا رتب ولا نجوم على الاكتاف. ومن المقترح التغيير الشامل للزي الخاص بأفراد الشرطة كعامل نفسي إيجابي يعبر عن بداية مرحلة مدنية لاستعادة الثقة بشأن علاقة المواطن برجل الشرطة في عهد جديد بعد ثورة من أعظم الثورات باعتراف معظم قادة ومفكري العالم. [email protected]